الأذان والصف الأول
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .. أما بعد:
فقد أمر الله – تعالى – بالمسابقة، والمسارعة إلى الخيرات، والإكثار منها كما قال – سبحانه -: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (سورة آل عمران:133)، وقال – تعالى -: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (سورة الحديد:21)، ولما ذكر الله – تعالى – الجنة وما فيها من نعيم مقيم قال: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (سورة المطففين:26)، فالمسابقة إلى فعل الخيرات، والمبادرة بها؛ من صفات عباد الرحمن الذين يرجون رحمة الله وجنته، فلا تمر بهم فرصة، ولا نفحة من نفحات الله؛ إلا واستغلوها على أتم وجه وأكمله، ولا يرون طريقاً من الطرق الموصلة إلى الجنة؛ إلا وسلكوها، ومن تلك الطرق والمجالات التي ينبغي للمؤمن أن يسارع فيها إلى الطاعات، ويكون من السابقين إليها: * صلاة الجماعة بحيث يحتل المكان المناسب في المسجد، والذي أرشد إليه النبي ﷺ، وحث عليه، ورغب فيه، وأشرف الأمكنة التي يصلي فيها المرء المسلم هي الصف الأول، ومقصود الشرع من ذلك التبكير إلى المساجد حين يسمع المسلم النداء.
* كذلك من الأمور التي ينبغي التنافس على القيام بها – لأجل الأجر لا لشيء آخر -: الأذان، فإن له فضيلة عظيمة كما ورد ذلك في أحاديث عن النبي ﷺ، وقد جاء في فضيلة الأذان والصلاة في الصف الأول فضل عام لم يُحدد؛ مما يدل على عظيم الأجر في ذلك كما في البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا 1، ومعنى التهجير أي: “الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت؛ لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار، وهو أول وقت الظهر”2، ومعنى العتمة أي صلاة العشاء، والصبح هي صلاة الفجر، وكل ذلك يدل على أهمية المسارعة إلى الخيرات، والتبكير إلى الصلوات، بحيث يكون المصلي في الصف الأول قريباً من الإمام.
فضل الأذان: مما ورد في فضل الأذان إضافة إلى الحديث السابق: عن مُعَاوِيَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ 3.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن، ولا إنس، ولا شيء؛ إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله ﷺ 4.
وعن البراء بن عازب أن نبي الله ﷺ قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له بمد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه 5.
فضل الصف الأول: ورد في فضل الصف الأول، والتبكير إليه؛ إضافة إلى الحديث السابق أحاديث عديدة، منها:
عن أُبي بن كعب أن رسول الله ﷺ قال: .. والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه .. 6.
وعن العرباض بن سارية عن رسول الله ﷺ أنه كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً، وعلى الثاني واحدة7.
وقد سبق حديث: إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم.
فما ذكر في فضيلة الصف الأول، والأذان يبعث الهمة لدى المسلم ليكسب الأجر العظيم من الله – تعالى – على مسارعته إلى تلك الأفعال الحسنة.
وفق الله الجميع لطاعته، وحسن عبادته.
1 البخاري (580)، ومسلم (661).
2 فتح الباري لابن حجر (2 /97).
3 رواه مسلم (580).
4 رواه البخاري (3122).
5 رواه النسائي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (235).
6 رواه أبو داود والنسائي، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (518).
7 رواه أحمد والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (490).