دخول الكافر المسجد

دخول الكافر المسجد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على المبعوث رحمة للعالمين، وخير داعٍ إلى الصراط المستقيم، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد شاع في هذه الأيام دخول الكفار المشركين إلى بعض المساجد للسياحة، وأخذ الصور، والتجول داخلها، ومعرفة ما بداخل هذه المساجد، وقد اختلف العلماء حول دخول الكفار والمشركين إلى المساجد، والأصل فيه قوله – تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (التوبة:28)، فإذا كان دخول هؤلاء لغرض شرعي فلا حرج في ذلك مثل: السؤال عن الإسلام، أو عمل يتعلق بالمسجد، أو بمصالح المسلمين، أو يسمع موعظة، أو يدخل لأمر مباح مثل أن يشرب من الماء الموجود داخل المسجد ففي مثل هذه الأحوال يجوز ذلك، لأن النبي  قد ربط ثمامة بن أثال حين كان مشركاً في سارية المسجد فعن أبي هريرة  قال: بعث النبي  خيلاً قِبَلَ نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له “ثُمامة بن أُثال”، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقلت ذا دم، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تُريد المال فسل منه ما شئت، فتركه حتى كان الغد… الحديث)(1).

ودخل المسجد وفد نجران وهم نصارى(2)، ودخل ضمام بن ثعلبة على النبي  وهو في المسجد فعن أنس بن مالك قال: (بينما نحن جلوس مع النبي  في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي  متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: ابن عبد المطلب، فقال له النبي : قد أجبتك فقال الرجل للنبي : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليَّ في نفسك! فقال: سل عما بدا لك ….” إلى أن قال: “فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر”(3).

وأما إذا كان دخولهم لغير غرض شرعي مثل: السياحة وغيرها فلا يجوز لأن في ذلك امتهان لحرمة المساجد، وشغل للمصلين، وأعمالهم السياحية ليس من بعدها فائدة أو منفعة للمسلمين.

وينبغي على القائمين بشؤون المساجد أن يمنعوا هؤلاء من دخولها، وألا يسمحوا لهم بذلك، هذا إذا لم يلحقهم، أو يلحق المسلمين؛ ضرر أو أذية، فإذا كان هناك ضرر يلحقهم فلا عليهم أن يتركوهم، والمسألة تدخل تحت باب جلب المصالح ودرء المفاسد.

وقد أفتى سماحة الشيخ ابن باز على سؤال ورد إليه في حكم دخول الكفار المساجد فأجاب: (لا حرج في دخول الكافر المسجد إذا كان لغرض شرعي وأمر مباح؛ كأن يسمع الموعظة، أو يشرب من الماء أو نحو ذلك، لأن النبي  أنزل بعض الوفود الكافرة في مسجده  ليشاهدوا المصلين، ويسمعوا قراءته  وخطبة، ويدعوهم إلى الله من قريب، ولأنه  ربط ثمامة بن أثال الحنفي في المسجد لما أتي به إليه أسيراً، فهداه الله وأسلم)(4).

أما المسجد الحرام فلا يجوز أن يدخله الكفار من اليهود، والنصارى وعباد الأوثان، والشيوعيين، وغيرهم، لأن الله  قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا (التوبة:28) فمنعهم سبحانه من الدخول.

نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1– متفق عليه.

2– متفق عليه.

3– رواه البخاري.

4– مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، المجلد الثامن، حكم دخول الكفار المساجد.