تعظيم الكفار لشهر رجب

تعظيم الكفار لشهر رجب

 

الحمد لله الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل الرسل، وأنزل الكتب لئلا يكون للناس على الله حجة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أُرسل بدين الحق بشيراً ونذيراً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا ً. أما بعـد:

فرجب في اللغة: مأخوذ من رجبَ الرجلَ رَجباً ، وَرَجَبَه يرجُبُه رَجْبا ً ورُجُوباً ورَجبَّه وتَرَجَّبه وأرجْبَه كلُّه: هابه وَعَظَّمه ، فهو مَرْجُوبٌ .

ورجب سموه بذلك لتعظيمهم إياه في الجاهلية عن القتال فيه، ولا يستحلَّون القتال فيه ، والترجيب التعظيم ، والراجب المعظم لسيده(1) .

أخي الكريم: إن الشيء العظيم أو الكبير تكثر أسماءه لعظمته، وإن شهر رجب له أسماء عند العرب كثيرة وذلك لعظمته عندهم فقد ذكر بعض العلماء أن لشهر رجب أربعة عشر اسماً وذلك دليل واضح على تعظيم هذا الشهر، وهذه الأسماء هي كالتالي:

1- رجب : لأنه كان يُرجَّب في الجاهلية أي يعظم.

2- الأصم: لأنهم كانوا يتركون القتال فيه، فلا يسمع فيه قعقعة السلاح، ولا يسمع فيه أصوات استغاثة.

3- الأصب: لأن كفار مكة كانت تقول: إن الرحمة تصب فيه صباً.

4- رجم: بالميم لأن الشياطين ترجم فيه أي تطرد.

5- الهرم : لأن حرمته قديمة من زمن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

6- المقيم: لأن حرمته ثابتة لم تنسخ، فهو أحد الأشهر الأربعة الحرم.

7- المُعلّي: لأنه رفيع عندهم فيما بين الشهور.

8- منصل الأسنة: أي مخرج الأسنة من أماكنها.

9- منصل الآل: أي الحرب.

10- المبريء : لأنه كان عندهم في الجاهلية من لا يستحل القتال فيه بريء من الظلم والنفاق.

11- المقشقش: لأن به كان يتميز في الجاهلية، المتمسك بدنيه، من المقاتل فيه المستحل له.

12- شهر العتيرة: لأنهم كانوا يذبحون فيه العتيرة، وهي المسماة الرجبية نسبة إلى رجب(2).

13- رجب مضر:  إضافة إلى مضر؛ لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه، بخلاف غيرهم ، فيقال إن ربيعة كانوا يجعلون بدله رمضان، وكان من العرب من يجعل في رجب وشعبان، ما ذكر في المحرم وصفر، فيحلون رجباً ويحرمون شعبان (3) .

عباد الله: جاء أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: (ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان)(4)فقيده بهذا التقييد مبالغةً في إيضاحه، وإزالة اللبس عنه قالوا : وقد كان بين مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب ، فكانت مضر تجعل رجبا ًهذا الشهر المعروف الآن وهو الذين بين جمادي وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي -صلى الله عليه وسلم-إلى مضر، وقيل لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم(5).

فكل هذه الأسماء التي أطلقت على شهر رجب، تدل على تعظيم الكفار لهذا الشهر، وربما كان تعظيم مضر لشهر رجب أكثر من تعظيم غيرهم له، فلذلك أضيف إليهم.

فمن تعظيمهم لهذا الشهر الحرام أنهم كانوا يحرمون الاقتتال فيه، وكذلك فإنهم كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة تعظيماً لرجب وهذا الذبح الذي كانوا يفعلونه هو لغير الله.

وكان أهل الجاهلية يتحرون الدعاء فيه على الظالم وكان يستجاب لهم، ولهم في ذلك أخبار مشهورة، قد ذكرها ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعوة وغيره(6).

جاء عن عمر-رضي الله عنه-أنه كان يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان ويقول : "كلوا فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية"(7) .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.


1 – راجع القاموس المحيط (1/74) ولسان العرب (1/411،412) مادة(رجب). 

2 – راجع : تبيين العجب ص (5،6) . وفص الخواتم ص (93،94).

3 – راجع : فتح الباري (8/325).

4 – رواه البخاري.

5 -يراجع النهاية لابن الأثير (2/197) وشرح النووي على صحيح مسلم (11/218).

6 – راجع: البدع الحولية ص(219).

7 يراجع المصنف (3/102) قال الألباني بعد ذكر سنده وهذا سند صحيح أنظر  إرواء الغليل ( رقم 957).