نساء الحي المتبرجات

نساء الحي المتبرجات

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

للمسجد دور في تربية الأفراد والمجتمعات وخاصة أهل الحي الذي يتبعه المسجد، فالإمام ومن معه الذين يربون الأطفال ويعلمون الكبار في المسجد لاشك أن لهم دوراً كبيراً في إزالة المنكرات التي يقع بها بعض أهل الحي ومن أولئك النساء، وذلك بالوسائل العديدة التي يقومون بها من المحاضرات التي توجه للرجال والنساء أو كل على حدة، ويشترط في ذلك وجود مصلى خاص بالنساء تابع للمسجد، ومن تلك الوسائل إهداء الكتيبات والأشرطة عبر أولياء الأمور.

وإن من المنكرات التي يجب أن يركز عليها جماعة المسجد في حيهم تبرج النساء الذي أصبح اليوم متفشياً بشكل خطير يهدد الأمة في دينها ودنياها إن لم يتداركها الله برحمته من خلال الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)1. وهذه مسؤولية الجميع ومنهم أهل الحي خاصة المتعلمين منهم والدعاة والآباء، لذا كان لازماً تعاون هؤلاء جميعاً على نشر الخير في الناس والعمل على إزالة المنكرات بدءاً من داخل البيوت مروراً بالجيران وهكذا حتى يعم الخير أهل الحي، ومن ثم يتميز هذا الحي بميزة طالما فقدت على مستوى البلاد الإسلامية ناهيك عن بلد واحد أو مدينة أو قرية أو حي، إنها ميزة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع مرور الأيام سيؤثر الحي على الأحياء المجاورة وبالتالي يكون هذا الحي أو ذاك نواة يشع منها النور لهداية الأمة -بإذن الله- إذا وجد الإخلاص والجد في ذلك، فتزول المنكرات ويعم الخير ويرتفع البلاء.

أيها الإخوة: لابد من تعليم المرأة ومخاطبتها وفق دين الله، فنقول لها: "كوني على حذر من دعاة السفور والاختلاط، أنتِ أُم الرجال ومدرسة الأجيال، فكوني شامخة كالجبال، لا تغتري بحيلهم الشيطانية، فإنها والله ليست في صالحك إنها قضاء على الحياء، وضياع للأخلاق وتجريد من الفضائل، وأجاد من قال:

فلا والله ما في العيش خيــر *** ولا الدنيا إذا ذهب الحيـــاء

لا تغتري بكثرة المخدوعات والمغرورات، كوني من المؤمنات الراسخات فنحن في زمان طغت فيه الرذيلة على الفضيلة في كثير من البلدان واحمدي الله أنك في بلد عرف للمرأة قدرها وأَعز مكانتها بشريعة الإسلام. تذكري أن العمر قصير مهما طال، ولا بدَّ يومًا أن تُحملي على أَعناق الرجال، وتلك والله هي النهاية والمآل، وما بعده أعظم منه.

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته *** يومًا على آلة حدباء محمول

ثم ماذا؟ قبرٌ ظاهره سكون وداخله نعيم، نسأل الله من فضله، أو عذاب- نسأل الله العافية- ثم بعث ونشور، فآخذ كتابه بيمينه مسرور، أو آخذ بشماله يدعو بالويل والثبور، نسأل الله الثبات على دينه في الدنيا والآخرة.

إن الذين ينادون بخروج المرأة وسفورها لا يريدون خيرًا للنساء، بدعواتهم هذه، وإّنما هي أهداف يسعون لتحقيقها وهي نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، لتهديم كيان الأُسرة باعتبارها النواة الأساسية في البنية الاجتماعية، واستعمال المرأة وسيلة لإسقاط الحكومات والدول، فهلا يرعوي هؤلاء الذين يلهثون وراء تلك الدعوات الباطلة المنابذة للإسلام وشرائعه السمحة ويبثون سمومهم في عقر دورهم وداخل بلدهم الآمن، نسأل الله لنا ولهم الهداية. لقد أخفقت المرأة يوم تنازلت عن عرشها ومكانتها العالية التي أوجدها لها الإسلام، وانحطت في مزالق الردى والهوان يوم لبّت تلك الدعوات الضالة فسمحت لنفسها باختلاطها بالرجال سافرة مبتذلة في الميادين والأسواق والعمل والمتجر؛ بل وعلى مدرجات الجامعات في كثير من دول العالم العربي والإسلامي، فكانت الصلات المريبة والعلاقات المشينة، فخسرت أعظم ما تملكه، إنّها مصيبة تساورها حتى تموت إن هي عادت إلى رشدها، وأدركت سوء فعلتها.

لقد صرّح عدد من النساء الشهيرات عالميًا في مجال التمثيل والمسرح بعدم سعادتهن بعد أن ظللن برهة من الزمن يلهثن خلف كل ناعق من دعاة السفور والاختلاط والنوادي والسينما، وتمردن على دين الله وتعرضن لسخطه، فكوني أُختي المسلمة على حذر واتّقي الله في نفسك، وخذي العبرة من غيرك حتى لا تقعي فريسة كما وقعن، لا قدر الله عليك سوءًا"2.

بمثل هذه العبارات ودعمها بالآيات والأحاديث الشريفة المتعلقة بالمرأة ومكانتها وعفافها وطهارتها، وكيف أن التبرج سبيل إلى عذاب الله، وبمداومة النصح والإرشاد والتنبيه وبالمحاضرات والكلمات، وبالجلوس مع أهل الحي الجلسات الدورية والموسمية تطرح مثل هذه النقاط الحساسة لكن بأسلوب آخر -غير الوعظ أحياناً- بل بطريقة يستطيع فهمها واستيعابها المتعلم والعامي.. بهذه الأمور وغيرها تصلح الأحوال ويقل الشر وأهله، وينشأ حي متفاعل مع قضاياه مستعد لأداء دوره المطلوب تجاه أمته، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.  


1 رواه البخاري -2368- (8/489) ومسلم -3408- (9/352) واللفظ للبخاري.

2 مقتبس بتصرف من مجلة التوحيد العدد 5 مقال لـ(الشيخ: محمد بن ناصر العريني).