أدب المحادثة
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.أما بعد:
أخي المسلم: ينبغي لمن يتحدث مع شخص آخر أو مع جماعة أن يراعي بعض الآداب أثناء محادثته، ومن هذه الآداب التي ينبغي مراعاتها عند المحادثة والمجالسة ما يلي:
1- الإيجاز في الكلام، والبعد عن الثرثرة، وكثرة الكلام، قال النبي ﷺ : ” إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أَحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون “1. قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: وإياك أن تتصدى في مجالسك مع الناس للترؤس عليهم وأنت لست برئيس، وأن تكون ثرثارًا متصدرًا بكل كلام؛ وربما من جهلك وحمقك ملكت المجلس على الجلوس، وصرت أنت الخطيب والمتكلم دون غيرك2.
2- التأني والنظر في عواقب الكلام، وما الذي سيؤول إليه، وعدم التسرع في الرد؛ فقد جاءفي الحديث:” إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم3.
3- البعد عن مجاراة السفهاء، فإن ذلك مما يجعلك عرضة لسماع ما لا يرضيك، وقد قال -تعالى-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}4. وقال في وصف عباد الله المتقين:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}5 .
4-
الحديث بما يناسب الحال والمقام، فيخاطب العقلاء، وكبار السن بما يناسب مقامهم وحالهم،ويخاطب الصغار ومن هم في سنه بما يناسبهم، ويمزح ويضحك في موقف يستدعي ذلك، ويقطب عن وجهه في موقف يستدعي منه ذلك، وهكذا، قال ابن السعدي رحمه الله: وإذا اجتمعت مع الناس فخالقهم على حسب درجاتهم، الصغير والكبير، والشريف والوضيع، والعالم والجاهل،كل واحد تكلم معه بالكلام الذي يناسبه، ويليق بحاله، ويدخل السرور عليه6.
5- الإصغاء للمتحدث، وعدم مقاطعته، أو منازعته الحديث، أو التشاغل عنه بقراءة، أو متابعة متحدث آخر، أو ما أشبه ذلك، قال الحسن: إذا جلست فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تعلم حسن القول، ولا تقطع على أحد حديثه.
6- إشعار المتحدث بعدم العلم بما يتحدث عنه، وذلك بعدم إكمال الحديث عنه، أو إشعاره بعلمك بما يتحدث عنه المتحدث، قال عطاء: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه وقد سمعته قبل أن يولد. وعن معاذ بن سعد الأعور قال: كنت جالسا عند عطاء ابن أبي رباح، فحدث رجل بحديث، فعرض رجل من القوم في حديثه. قال: فغضب، وقال: ما هذه الطباع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل، وأنا أعلم به،فأريه كأني لا أحسن شيئًا.
7- الحذر من القيام عن المتحدث قبل أن ينهي حديثه، فإن ذلك من قلة الأدب، ومما يتنافى مع إكرام الجليس، قال أبو مجلز: إذا جلس إليك رجل يتعمدك فلا تقم حتى تستأذنه.
8- عدم المسارعة إلى تكذيب المتحدث، قال العلامة ابن السعدي -رحمه الله-: متى أخبرك صاحبك أو غيره أنه أوقع تصرفاً أو عقداً أو عملاً من الأعمال، وكان قد مضى وتم، فينبغي أن تبارك له، وتدعو له بالخير والبركة، وتصوبه إذا كان باعتقادك صواباً، فإن هذا يؤنسه، ويشرح صدره7.
9- الحذر من الخوض في كل ما يغضب الله من غيبة ونميمة وكذب، وغير ذلك، قال الله -تعالى-:{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَتَوَّابٌ رَّحِيمٌ}8. وقال ﷺ : ” إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً9.
10- التثبت في نقل الأخبار؛{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}10. وفي الحديث: ” كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع“11.
11- خفض الصوت إلا لحاجة، قال -تعالى-:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}12. قال ابن سعدي -رحمه الله -: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أدبًا مع الناس، ومع الله. {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} أي أفظعها وأبشعها {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص الحمار بذلك، الذي علمت خسته وبلادته13.
12- اللين في الخطاب، وترك الغلظة والفظاظة، قال -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}14. وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }15.
13- البعد عن الجدال والمراء والخصومة؛ قال ابن عباس : كفى بك ظلمًا ألا تزال مخاصمًا، وكفى بك إثمًا ألا تزال مماريًا. وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ :” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه“16.
14- البعد عن التقعر والتشدق والتكلف في الكلام، قال الغزالي- رحمه الله – وهو يتحدث عن آفات اللسان: الآفة السادسة: التقعر في الكلام، والتشدق، وتكلف السجع والفصاحة،والتصنع فيه…كل ذلك من التصنع المذموم، ومن التكلف الممقوت الذي قال فيه رسول الله ﷺ : “…إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُون وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ“17.
15- البعد عن الحلف إلا لحاجة، فإن من الناس من يحلف لمناسبة ولغير مناسبة، أما إذا احتاج المسلم إلى اليمين أو طلبت منه، فلا بأس في ذلك، قال الله -تعالى-: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} إلى قوله: {وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ}18. وآداب المحادثة كثيرة جداً، ولكننا أشرنا إلى بعضها، والله حسيبنا، وهو أعلى وأعلم،وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
1 – رواه الترمذي وأحمد.
2 – الرياض الناضرة ص(254) رمادي للنشر.
3 – رواه البخاري ومسلم .
4 – الأعراف(199).
5 – الفرقان(63).
6 – الرياض الناضرة ص(213).
7 – الرياض الناضرة (255)
8 – الحجرات(12).
9 – رواه البخاري ومسلم.
10 – الحجرات(6)
11 – رواه مسلم.
12 – لقمان(19).
13 – تفسير الريم الرحمن (4/ 109 – 110) دار المدني.
14 – الإسراء(53).
15 – البقرة(83).
16 – رواه أبو داود، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم(4015) وهو في الصحيحة رقم(273).
17 – رواه الترمذي وأحمد. وانظر الإحياء3/129).
18 – المائدة(89).