إتيان الكهنة والمنجمين

إتيان الكهنة والمنجمين

 

الحمد لله رب العالمين المتفضل على عباده بالنعم الكثيرة، ومن أعظمها نعمة الإسلام التي لا تعدلها نعمة على الإطلاق، والصلاة والسلام على خير البشر، سيد ولد آدم محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً – إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمن المعلوم عند جميع المسلمين أن دين الله – تبارك وتعالى – قد كمل لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا …}1، ومن المعلوم كذلك أن كل خير قد دلنا عليه الحبيب محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في سنته، وكل خير قد دلنا عليه – صلى الله عليه وسلم – ومن الأمور التي ورد الشرع  الحنيف بالنهي عنها والتحذير منها قضية تمس بعقيدة المسلم، إنها قضية إتيان السحرة والكهان والمشعوذين، إذا هذا الأمر أي الكهانة والشعوذة كفر بالله – رب العالمين – روي عن أبي هريرة والحسن – رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم -)) 2، والإتيان في قوله: "من أتى" له صور عديدة:

1/ يكون بالذهاب إليه.

2/ بالجلوس إلى قارئة الكف، أو الفنجان، أو صاحبة الودع.

3/ بمطالعة أبراج الحظ.

4/ بمشاهدة بعض الفضائيات .

وقوله: "كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا" المراد بالكاهن: هو الذي يتكهن بما في المستقبل، والعراف: هو الذي يدعي معرفة الماضي، والمنجم: هو من يستدل بالنجوم على أمور الغيب؛ والدَّجَل يشمل ذلك كلَّه.

فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – من جاء إلى كاهن أو عراف أو منجم أو دجال يسأله عن أمر غيبي فلا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: إما أن يسأله ولا يصدقه، وهذا لا تقبل صلاته أربعين يوماً، كما ثبت في الصحيح عن صفية عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم -: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))3.

الحالة الثانية: أن يصدقهم، وهذا كافر بالله – تبارك وتعالى -، للحديث المتقدم المروي عن أبي هريرة والحسن – رضي الله تعالى عنهما – فإذا كانت هذه حال السائل فكيف بحال المسؤول؟!

وقال العلامة حافظ بن أحمد الحكمي – رحمه الله تعالى –  في منظومة سلم الأصول:

ومن يصدق كاهنا فقد كفر            بما أتي به الرسول العتبر

وقال رحمه الله أيضاً: " تصديق الكاهن كفر ومن صدق كاهنا فقد كفر بما أتى به الرسول المعتبر ومن يصدق كاهنا يعتقد بقلبه صدقه في ما ادعاه من علم المغيبات التي استأثر الله – تعالى – بعلمها فقد كفر أي بلغ دركة الكفر بتصديقه الكاهن بما أتى به الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – عن الله – عز وجل – من الكتاب والسنة وبما أتى به غيره صلى الله عليه وسلم من الرسل عليهم السلام ولنسق الكلام أولا في تعريف الكاهن من هو ثم في بيان كذبه وكفره ثم في كفر من صدقه بما قال والله المستعان فنقول: الكاهن في الأصل هو من يأتيه الرئي من الشياطين المسترقة السمع تتنزل عليهم كما قال الله تعالى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ}4، وهذه الآيات متعلقة بما قبلها وهي قوله – عز وجل – لما قال المشركون في رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – إنه كاهن وقالوا في القرآن كهانة وأنه مما يلقيه الشيطان فنفى الله – تعالى – ذلك وبرأ رسوله وكتابه مما أفكوه وافتروه {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}5"6.

الحالة الثالثة: أن يأتيهم ليسمع منهم فقط من غير تصديق لهم، وهذا فسق، قال الله – تبارك وتعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}7، وهذه الآية عامة تشمل كل متخوضٍ في دين الله – تبارك وتعالى – يخوض في آيات الله – تبارك وتعالى – ويدخل الكهنة والمنجمين والعرافين دخولاً أولياً .

الحالة الرابعة: أن يسأل لبيان عجزه للناس وهذا سنة قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لابن صيّاد كما ثبت ذلك في الصحيحين عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: أن عمر انطلق في رهط من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – مع النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وقد قارب يومئذ ابن صياد يحتلم فلم يشعر حتى ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – ظهره بيده ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أتشهد أني رسول الله))، فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد للنبي – صلى الله عليه وسلم -: أتشهد أني رسول الله ؟، قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((آمنت بالله ورسوله))، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ماذا ترى))، قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((خلط عليك الأمر))، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إني قد خبأت لك خبيئا))، قال ابن صياد: هو الدخ قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((اخسأ فلن تعدو قدرك)). قال عمر: " يا رسول الله ائذن لي فيه أضرب عنقه"، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله))8، فعلى المسلم أن يحذر وأن يجعل نصب عينه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد))، ومن صور إتيان الكهان مشاهدة بعض الفضائيات التي تدعوا إلى السحر والشعوذة عياذا بالله – تعالى -، فعلى المسلم أن يحرص على عدم مشاهدة هذه القنوات، التي يوجد فيها السحر والكهانة والشعوذة وأن يُحذر منها الناس حتى يفيقوا من غفلتهم، ويحبط كيدهم.

وقد سُئل العلامة شيخ الإسلام عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وأسكنه فسيح جناته: ما حكم الذهاب للسحرة والكهنة بقصد العلاج إذا كان مضطرا إلى ذلك؟

فأجاب رحمه الله: لا يجوز الذهاب إلى الكهان والسحرة والمشعوذين ولا سواهم، بل يجب أن ينبه عليهم ويؤخذ على أيديهم ويمنعوا ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))9 رواه مسلم، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))10، وسئل عن الكهان، فقال: لا تأتوهم، والكهان يدعون علم الغيب بواسطة شياطينهم، فلا يجوز إتيان الكهان والعرافين، ولا سؤالهم عن شيء، بل يجب أن ينكر عليه، وأن يؤدب حتى لا يعود لشيء من ذلك، لكن يذهب إلى أهل الخير المعروفين بالرقية الشرعية فيرقونه"11.

وسُئل أيضاً: ما حكم الذهاب للسحرة والكهنة بقصد العلاج إذا كان مضطرا إلى ذلك؟

فأجاب رحمه الله: لا يجوز الذهاب إلى الكهان والسحرة والمشعوذين ولا سؤالهم، بل يجب أن ينبه عليهم ويؤخذ على أيديهم ويمنعوا لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) رواه مسلم، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)) وسئل عن الكهان فقال: ((لا تأتوهم))12.

والكهان يدعون علم الغيب بواسطة شياطينهم فلا يجوز إتيان الكهان والعرافين ولا سؤالهم عن شيء، بل يجب أن ينكر عليه وأن يؤدب حتى لا يعود لشيء من ذلك لكن يذهب إلى أهل الخير المعروفين بالرقية الشرعية فيرقونه13 .

فإذا علمت ذلك أخي الكريم: فعليك بالابتعاد عن هذا الخطر العظيم والداء المهلك، وعليك بمتابعة الشرع الحنيف المطهر ففي متابعته الخير العظيم والسعادة في الدارين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


1 سورة المائدة(3).

2 رواه أحمد في المسند برقم(9532), وقال شعيب الأرناؤوط: حسن رجاله ثقات رجال الصحيح؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم(3387).

3 رواه مسلم برقم(2230). 

4 سورة الشعراء(221-223).

5 سورة الشعراء(192-193).   

6 معارج القبول  (2/567).

7 سورة النساء (140).

8 رواه البخاري برقم(2890)؛ ومسلم برقم(2930). 

9 رواه مسلم برقم(2230).

10 تقدم تخريجه في هامش رقم(1).

11 مجموع فتاوى ابن باز(8/ 158).

12 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم(940)؛ والطيالسي في مسنده برقم(1104)؛ وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(862)؛ عن معاوية بن الحكم – رضي الله عنه – قال قلت: يا رسول الله منا رجال يتطيرون قال: ((ذاك شيء تجدونه في أنفسكم فلا يضركم )) قال : قلت ومنا رجال يأتون الكهان قال : ((لا تأتوهم )) قال : ومنا رجال يخطون قال : ((خط نبي فمن وافق علمه علم)).

13 مجموع فتاوى ابن باز(9/ 259).