تعيين الإمام

تعيـين الإمــام

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.. أما بعد:

فإن من مسائل الائتمام في الصلاة مسألة تعيين الإمام.. هل يجب أن يعين المأموم من يؤمه، وذلك بأن يعينه في قلبه أنه زيد أو عمرو؟

كلام أصحاب المذاهب الأربعة يفيد بأنه ليس على المأموم تعيين الإمام، ومن كلامهم في ذلك:

ما جاء في حاشية الطحاوي على المراقي: (ولا يلزم المقتدي تعيين الإمام، بل الأفضل عدمه؛ لأنه لو عينه فبان خلافه فسدت صلاته).1

وقال ابن نجيم: (وأفاد أن تعيين الإمام ليس بشرط في صحة الاقتداء، فلو نوى الاقتداء بالإمام وهو يظن أنه زيد فإذا هو عمرو يصح، إلا إذا نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو فإنه لا يصح؛ لأن العبرة بما نوى، ولو كان يرى شخصه فنوى الاقتداء بهذا الإمام الذي هو زيد فإذا هو خلافه جاز؛ لأنه عرفه بالإشارة فلغت التسمية).2

وقال في بدائع الصنائع: (ولو نوى صلاة الإمام والجمعة فإذا هي الظهر جازت صلاته؛ لأنه لما نوى صلاة الإمام فقد تحقق البناء، فلا يعتبر ما زاد عليه بعد ذلك، كمن نوى الاقتداء بهذا الإمام وعنده أنه زيد فإذا هو عمرو كان اقتداؤه صحيحاً، بخلاف ما إذا نوى الاقتداء بزيد والإمام عمرو).3

وقال في مغني المحتاج: ( (ولا يجب) على المأموم (تعيين الإمام) في النية باسمه، كزيد أو عمرو، بل تكفي نية الاقتداء بالإمام أو الحاضر أو نحو ذلك؛ لأن مقصود الجماعة لا يختلف بالتعيين وعدمه، بل قال الإمام وغيره الأولى أن لا يعينه في نيته؛ لأنه ربما عينه فبان خلافه فتبطل صلاته، كما قال (فإن عينه) ولم يشر إليه (وأخطأ) كأن نوى الاقتداء بزيد فبان عمراً أو اعتقد أنه الإمام فبان مأموماً أو غير مُصلٍّ (بطلت صلاته) أي لم تنعقد لربطه صلاته بمن لم ينو الاقتداء به؛ كمن عين الميت في صلاته، أو نوى العتق في كفارة ظهار وأخطأ فيهما.. فإن علق القدوة بشخصه سواء أعبر عنه بمن في المحراب أم بزيد هذا أم بهذا الحاضر أم بهذا أم بالحاضر وظنه زيداً فبان عمراً لم يضر؛ لأن الخطأ لم يقع في الشخص، لعدم تأتيه فيه، بل في الظن، ولا عبرة بالظن البين خطؤه، بخلاف ما لو نوى القدوة بالحاضر مثلاً ولم يعلقها بشخصه؛ لأن الحاضر صفة لزيد الذي ظنه وأخطأ فيه، والخطأ في الموصوف يستلزم الخطأ في الصفة، فبان أنه اقتدى بغير الحاضر).4

وقال ابن مفلح: (أو عين إماماً أو مأموماً، وقيل: أو ظنهما، وقلنا: لا يجب تعيينهما في الأصح، فأخطأ لم يصح، وقيل: بل يصح منفرداً كانصراف الحاضر بعد دخوله معه).5

والكلام عن هذه المسألة مذكور في كتب الفقه متفرقاً، والمقصود أن المأموم لا يجب عليه تعيين الإمام، ويمكن أن نخلص من هذا الحكم إلى الآتي:

أولاً:

لا يجب على المأموم تعيين إمامه، بل الواجب الاقتداء بالإمام الحاضر فقط.

ثانياً:

أنه لو وصف الإمام بصفات وأخطأ في الوصف فلا يضر.

ثالثاً:

لو ظن المأموم بأن الإمام زيد فبان غيره فصلاته صحيحة، والخطأ هنا معفو عنه.

رابعاً:

لو نوى أنه يقتدي بهذا الإمام الحاضر أمامه وأنه زيد صحت صلاته؛ وذلك لأن الإشارة أقوى من التسمية.

خامساً:

إذا نوى أنه يصلي خلف زيد فبان أنه غير زيد بطلت صلاته؛ لعدم النية للإمام الذي اقتدى به، والله أعلم.6


1– حاشية الطحاوي (2/286).

2– البحر الرائق (1/298).

3– بدائع الصنائع (1/329).

4– مغني المحتاج في الفقه الشافعي (1/252).

5– الفروع (1/40).

6– راجع كتاب (أحكام الإمامة والائتمام في الصلاة) للمنيف ص208.