الحِكْمَةُ مِنْ مشروعيَّةِ الأذانِ والإقامةِ
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد المرسلين،وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الأذان من خصائص هذه الأمة،ومن شعائرها الظاهرة،يرتبط بالركن الثاني من أركان الإسلام،ألا وهي الصلاة التي هي عمود الدين،وركنه المتين،وأساسه القويم.
فالأذان مقصوده الأعظم الإعلام بأوقات الصلاة تنبيهاً على أن الدين قد ظهر،وانتشر علم لوائه في الخافقين واشتهر،وسار في الآفاق على الرؤس فبهر،وأذل الجبابرة وقهر.
وقد اشتمل الأذان على أصول عقائد التوحيد تُعلَنُ على الملأ، تملأ الأسماع،إنه ليس بصلصلة ناقوس أجوف،ولا أصوات بوق أهوج،ولا دقات طبل أرعن،كما هو الحال عند الآخرين، بل هو كلمات ونداء يوقظ القلوب من سباتها،وتفيق النفوس من غفلتها،وتكفّ الأذهان عن تشاغلها،وتهيّء المسلم إلى هذه الفريضة العظمى.
ولما كانت-الصلاة-من أعظم شعائر الإيمان،كان من أعظم شعائرها الأذان؛ لأن الإنسان لا يزال يتقلّب في الأطوار،وينتقل في طلب الأوطار(1)، لاهياً بما هو فيه من دنس دنياه،عما خلق له من طاعة مولاه، مشغولاً بما لا ينفعه،فإذا دخل وقت الصلاة احتاج إلى ما يحثّه عليها، ويرغبه فيها، لئلَّا يلهُو عنها بأعمالِهِ،ويتشاغل عنها بأشغاله،فكان الأذان هو المرغِّب لأدائها،والمحرّك للهمَّة إلى إجابة ندائها.
إذن فالأذان شُرِعَ لحكمٍ عظيمةٍ،وفوائدَ جليلةٍ، يقولُ الإمامُ "ابنُ الهمام"-رحمه الله-: "المقصود من الأذان لم ينحصر على الإعلام،بل هو نشر لذكر الله ودينه في أرضه، وتذكيراً لعباده من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد"(2).
وقال الحافظُ "أبو العبَّاس القرطبيُّ": "ويحصل من الأذان إعلام بثلاثة أشياء: بدخول الوقت،وبالدعاء إلى الجماعة،ومكان الصلاة،وبإظهار شعار الإسلام"(3).
وأهم الحكم التي تتجلَّى في مشروعية الأذان تتلخص فيما يلي:
1- الإعلام بدخول وقت الصلاة،وهو المقصود الأعظم من الأذان.
2- إظهار شعار الإسلام في كل بلدة أو مصر.
3- نداء لحضور الجماعة ومكان الصلاة.
4- هو العلامَةُ الدالّة المُفرِّقة بين دارِ الإسلامِ ودارِ الكُفْرِ،فقد كانَ النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم-إذا غزا،فإن سمع أذاناً أمسك،وإلا أغار.
5- اشتماله على فوائد جليلة أخرى تطرد الشيطان،واستجابة الدعاء عنده،وغيرها.فقد جاء من حديث أبي الدرداء،قال: سمعتُ رسولَ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-يقولُ:(ما من ثلاثةٍ لا يُؤذنون،ولا تقام فيهم الصلاة،إلا استحوذَ عليهم الشَّيطانُ)(4).أما استجابة الدعاء فقد جاء من حديثِ جَابِرٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-،قَالَ:(مَنْ قال حين يسمعُ النداء:اللهُمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة،والصلاة القائمة آتِ مُحمَّداً الوسيلة والفضيلة،وابعثْهُ مَقَاماً محمُوداً الذي وعدته،حَلَّتْ لَهُ شفاعتي يومَ القيامةِ)(5).
وعن أنس بن مالك،قال: قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-:(الدُّعاءُ لا يُردُّ بينَ الأذانِ والإقامةِ)(6)
الإقامة:
أما الإقامة فلا تختلف عن الأذان كثيراً من حيث حكمة المشروعية ، فأكثر ما قيل في الأذان من حكم وفوائد يُقال في الإقامة، ذلك أن الإقامة تُسمَّى أذاناً –أيضاً-؛ لأنها إعلامٌ بحضور فعل الصلاة،كما أن الأذان إعلامٌ بدخولِ الوقتِ. فيكون المقصود الأعظم منها هو الإعلام بالشروع في الصلاة(7)،وقد جاء هذا الإعلام بألفاظ عظيمة،تضمنت عقيدة الإيمان، وتعظيم الله،وإقرار الفلاح والفوز، لمجيب النداء، ليدخل المصلي في الصلاة على بينة من أمره،وبصيرة من إيمانه،ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة حقّ مَن يعبده وجزيل ثوابه(8).والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين،،،
1 – جمع وطر: والوطر: الحاجة.
2 – فتح القدير (2/254-255).
3 شرح صحيح مسلم للنووي(4/77).
4 – رواه أحمد، واللفظ له، و أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة،(1/266)(547).وحسنه الألباني في صحيح أبي داود رقم(511).
5 رواه البخاري(589).
6 – رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" رقم(2843).
7 – الهداية(1/255).
8 – إكمال المعلم بفوائد مسلم: للقاضي عياض (2/254).