ملكنا هذه الدنيا قروناً

ملكنا هذه الدنيا قروناً

 

الحمد لله رب العالمين، ولاعدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:

فتحت هذا العنوان ومن هذا الباب أحببنا أن نطل إطلالةً سريعةً على حضارة وحكم وملك دولة الإسلام، لاسيما وهي التي حكمت من طنجة إلى البنجاب،  وتحدت في حكمها السحاب فقال قائلها مخاطباً السحاب: " إمطري حيث شئت فسوف يأ تيني خراجك"

وباعثنا على الحديث في هذا أن هذه الأمةُ أصبحت في ذيلِ القافلةِ ذليلةٌ،… ثرواتُها منهوبةٌ، وكرامتُها مسلوبة، وأرضها مغلوبة، وأعراضها مغصوبة، دماؤها مسكوبةٌ ..مما أدى إلى تسرب اليأس إلى قلوب كثير من أبناءها، وقنوط عدد من مصلحيها وقوادها، ولذا أحببنا أن نشير إلى بعض ماضيها، وأن نستعيد جزءاً من تاريخها، ليزول اليأس ويذهب الهم وتستيقظ الهمة ويستعاد المجد ويشد العزم.

لأنها أمة التوحيد، أمة الاعتصام، أمة الحق، أمة النصر، أمة الشهادة والاستشهاد، أمة البذل والتضحية والفداء…نعم! إنها أمة أمحمد:

أمة أمهرت المجد النفوسا     ***   بذلت للدعوة الكبرى الرؤوسا

هي الأمة: التي حكمت العالم كله بخلافة إسلامية لم يشهد التاريخ لها مثيلا حتى أنشد شاعرها:

كنا ملوكاً على الدنيا وكان لنا *** ملك عظيم وكنا سادة الأمم

كسرى وقيصر والخاقان دان لنا *** وأمرنا كان بين السيف والقلم

كأني بأشبالها وأبطالها على أطلال البلاد فاتحين، وعلى أمواج البحار سابحين، وهم يرتجزون قائلين:

ملكنا هذه الدنيا قروناً   *** وأخضعها جدود خالدونا

وسطرنا صحائف من ضياء  *** فما نسي الزمان ولا نسينا

هي الأمة التي أخرجت للعالم مبشرةً، وللبشرية منذرةً، هدفها وهمها ومقصدها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}1.

ربها واحد، ونبيها واحد، وكتابها واحد، ودستورها واحد، ومنهجها ومقصدها وهدفها واحد، وقبلتها واحدة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}2.

هي التي حكمت العالم بحكم الإسلام، وعدل الشريعة، ومساواة الملة، إبتداءً من الجزيرة العربية بقيادة القائد الأول، والمعلم الأكبر خير البرية، وأزكى البشرية محمد – صلى الله عليه وسلم-  

ثم اتسعت رقعتها وتوسع حكمها حتى وصل إلى بلاد العراق فأخرجها من ظلمة الديانات الوثنية، إلى نور الرسالة المحمدية، فأسس فيها أمير المؤمنين عمربن الخطاب  – رضي الله عنه –  معسكري الكوفة والبصرة؛ لأن جو القادسية أثر على المسلمين وأصابهم بالوباء، وكان أكثر من فتح هذه البلدان من أهل اليمن كما ذكر ذلك القرطبي – رحمه الله – قائلاً: " كانت عامة فتوح العراق على أيدي أهل اليمن" وقال أبو حيان – رحمه الله – : "كان فتح القادسية على أيدي أهل اليمن"، ثم فتحت الشام ثم مصر ثم الأندلس وليبيا وتونس حتى وصلت الفتوحات إلى فرنسا وإلى شاطئ المحيط الأطلنطي حيث وقف عقبة بن نافع  – رضي الله عنه –  وقال مخاطباً المحيط والبحر والسماء والنهر: " يا بحر والله لو أعلم أن وراءك أرضاً لم تبلغها لا إله إلا الله لخضتك بفرسي هذا حتى أبلغها لا إله إلا الله" وحاله كما قال القائل:

هل أشرق الفجر إلا من مآذننا  ***  وهل همى الغيث إلا من مآقينا

حتى النجوم على هاماتنا سجدت *** والشمس في حسنها قامت تحيينا

نحن الذين فتحنا البلدان، وأعتقنا الإنسان، ووحدنا الديان، وأشاد بذكرنا القرآن:

نحن الذين روى التاريخ قصتهم  ***  ونحن أعظم من في أرضنا ظهرا

أما ترى الشمس غارت من مكارمنا *** والبدر من نورنا العلوي قد سهرا

نحن منا الخلفاء والعلماء والحكماء والأمراء والأصفياء والأوفياء والشرفاء؛ لأن المعلم محمد والمربي القرآن والمنهج حق والدستور واضح، والدليل على الوضوح أننا ملكنا الأكاسرة ثم أعتقناهم، وأسرنا القياصرة ثم أطلقناهم، نكبر فتسقط القلاع، ونؤذن فتهتز التلاع:

نحن هل تدري بنا للناس فجر *** قصدنا جنة مولانا وأجر

قد ملأنا الأرض عدلاً وارفاً    *** وسوانا في الورى عجرٌ وبجر

نحن الذين أذنا في الحمراء، وصلينا في الزهراء، وربطنا خيولنا على ضفاف اللوار، وسجدنا على صحراء سنجار، وتلونا القرآن على جبال قندهار، فتحنا الشرق والغرب، وحكمنا السند والهند؛ لأن الملة إسلامية، والشريعة محمدية، والكتيبة جهادية:

سل الرماح العوالي عن معالينا  *** واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا

لما سعينا فما رقت عزائمنا     *** عما نروم ولا خابت مساعينا

وفي الختام: نسأل من الله أن يرد هذه الأمة إلى مجدها وعزها وسؤددها إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين.     


1  سورة آل عمران (110).

2   سورة الأنبياء (92).