مواساة أهل الميت

مواساة أهل الميت

 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مواقف كانت بين أصحابه قدوة حسنة ولمن بعدهم نِعم الأسوة، إذ كان يتفقد أحوالهم، ويسأل عن غائبهم، ويزور مريضهم، ويواسي أهل المصاب، ويعزي أهل الميت كما فعل -صلى الله عليه وسلم- مع أهل أبي سلمة -رضي الله عنه- حين مات فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ –رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ) فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: (لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ)، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)1.

ولما جاء خبر استشهاد جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه- جاء أهله مواسياً لهم وأبقى الموقف الجميل في خلد أهله وذويه فهاهو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ –رضي الله عنهما- يقول: -بعد أن ذكر الثلاثةَ أمراءَ غزوة مؤتة وذكر استشهادهم- قال: وَأَتَى خَبَرُهُمْ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: (فَأَمْهَلَ ثُمَّ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ: (لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ، ادْعُوا لِي ابْنَيْ أَخِي) قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّا أَفْرُخٌ فَقَالَ: (ادْعُوا إِلَيَّ الْحَلَّاقَ) فَجِيءَ بِالْحَلَّاقِ فَحَلَقَ رُءُوسَنَا ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي)، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَشَالَهَا، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَرًا فِي أَهْلِهِ وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ)، قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ: فَجَاءَتْ أُمُّنَا فَذَكَرَتْ لَهُ يُتْمَنَا، وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ لَهُ، فَقَالَ: (الْعَيْلَةَ تَخَافِينَ عَلَيْهِمْ وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟)2. (والعيلة هي الفقر والحاجة)

وغيرها من المواقف التي تبقى صورتها في أذهاننا موقف القدوة الحسنة، وحسن المبادرة في مثل هذه المواقف الحرجة، وأهل الميت يكادون يغصون بالماء الزلال لشدة ألمهم لما وقع بهم من موت قريبهم وفجعهم به.

لذا كان لزامًا على القائمين على المسجد وأنشطته أن يجعلوا من برنامجهم مواساة أهل الميت، وجعل ذلك في مقدمة أعمالهم؛ دعوة إلى الله وتقرباً إليه.

والأمر يسير، فعلى سبيل المثال يقومون بالآتي:

       شراء كفن ولوازمه ويضعونه في المسجد للحالات الطارئة، فيما لو افتقر أهل الميت إليه أعانوهم به.

       زيارة المريض وتفقد أحواله، ولوازم أهله، والسعي في حاجتهم.

       المبادرة عند موته بالتغسيل، والتكفين، والنظر في حاجة أهله وحالتهم المادية.

       مواساتهم وتصبيرهم والدعاء لهم ولميتهم.

       بيان حكم النياحة وتصبيرهم وتذكيرهم لئلا تغلبهم المصيبة، ويهزمهم الجزع.

والسعي في ما هو الأصلح من أمورهم، ومواساتهم والنظر إلى الأيتام بعين الرحمة والشفقة أمر لا يعوض بثمن، ولعل احتضان أحد المعزين ليتيم وضمه إلى صدره ومسح الدمعة من عينه خير كبير تظل في ذاكرته طيلة حياته.

أسأل الله أن يثيب المحسنين على إحسانهم ويجزي المتصدقين على صدقاتهم ويرحم موتانا وموتى المسلمين. آمين.


1 صحيح مسلم – (1528).

2 مسند أحمد: (1659)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.