حديث الدين النصيحة

حديث الدين النصيحة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأبرار ما تعاقب الليل والنهار، صلاة وسلاماً متعاقبين ما دام الليل والنهار، أما بعد:

فالنصيحة في الدين مكانتها عظيمة، ومنزلتها عند الله عالية رفيعة، وحاجة الإنسان؛ كل إنسان للنصح لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب والهواء لذلك حصر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كل الدين فيها فقال: ((الدين النصيحة))، وفي بعض الروايات قالها ثلاثاً، لأنها بها قوامه وصلاحه؛ وعندما قيل له: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)).

والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه عن تميم الداري – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((الدين النصيحة!! قلنا: لمن؟ قال لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم))1 قال الإمام النووي – رحمه الله – في شرح هذا الحديث: "هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام كما سنذكره من شرحه، وأما ما قاله جماعات من العلماء أن أحد أرباع الإسلام أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام؛ فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده، وهذا الحديث من أفراد مسلم، وليس لتميم الداري في صحيح البخاري عن النبي – صلى الله عليه وسلم – شيء، ولا له في مسلم عنه غير هذا الحديث، وقد تقدم في آخر مقدمة الكتاب بيان الاختلاف في نسبة تميم، وأنه داري أو ديري، وأما شرح هذا الحديث فقال الإمام أبو سليمان الخطابي – رحمه الله -: "النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له" قال: ويقال هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها العبارة عن المعنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه، قال: وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب، قال: وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، قال: ومعنى الحديث عماد الدين، وقوامه؛ النصيحة كقوله الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة"2.أ.هـ

وقال صاحب كتاب قسم الحديث: هذا الحديث (حديث تميم الدّاري) من الأحاديث الكلية العظيمة التي اشتملت على الدين كله؛ على حقوق الله، وحقوق رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وعلى حقوق عباده، فليس ثَمَّ أجمع في بيان تلك الحقوق من لفظ النصيحة.

والنصيحة هذه فَعِيلَة من النصح، وأصل النصح في لغة العرب فُسِّرَ بأحد تفسيرين:

الأول: أن النُّصح بمعنى الخلوص من الشوائب والشركة، فيقال: عَسَلٌ ناصح أو نصوح إذا لم يَشُبْهُ شيء.

الثاني: فُسِّرَتْ النصيحة بأنها التئام شيئين بحيث لا يكون ثَمَّ تنافر بينهما، فيُعْطَى هذا الصلة بهذا حتى يكون التئام يوافق ما بين هذا وهذا، قالوا: ومنه قيل للخياط: ناصح؛ لأنه ينصح الطرفين، إذ يجمعهما بالخياطة، والنصيحة عُرِّفَتْ يعني في هذا الحديث بأنها إرادة الخير للمنصوح له"3.أ.هـ

وقال ابن بطال – رحمه الله-: "والنصيحة فرض يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين، والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، وأما إن خشى الأذى فهو فى سعة منها".

قال أبو بكر الآجري: "ولا يكون ناصحاً لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهد في طلب العلم والفقه، ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له، وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس حتى يخالفها بعلم:.

وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبى ثمامة – وكان يقرأ الكتب – قال: "قال الحواريون لعيسى ابن مريم: من الناصح لله – تعالى -؟ قال: الذي يبدأ بحق الله قبل حق الناس، فإذا عرض له أمران: أمر دنيا وآخرة؛ بدأ بعمل الآخرة، فإذا فرغ من أمر الآخرة تفرغ لأمر الدنيا".

وقال الحسن البصري: "ما زال لله ناس ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله عليهم، ويعملون له في الأرض"4.أ.هـ

وسيكون الكلام على هذا الحديث عن أهمية النصيحة، وكيفية النصيحة لله، وكيفية النصيحة لرسوله، وكيفية النصيحة لأئمة المسلمين ولعامتهم.

أهمية النصيحة:

للنصيحة أهمية كبيرة في المجتمع، فإذا وجدت في المجتمع صار بعيداً عن المنكرات والمخالفات الشرعية، ولذلك كانَت مبايعةُ الصحابةِ – رضوان الله عليهم – للنّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قائمةً على رَكائزَ عُظمَى، ومقرَّراتٍ جليلة، كَان من أهمِّها: بذلُ النّصحِ للمسلمين، والإشفَاقُ عليهم، والحِرصُ لهم، ففي الصحيحَين من حديث جرير بنِ عبد الله – رضي الله تعالى عنه – قال: ((بايعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم))5، فالنصيحة تدل على وجود المحبة، والشفقة على المسلمين، وتعتبر وسيلة من وسائل الدعوة، حيث أن جميع الناس لهم القدرة على تقديمها، ولا تتطلب منهم جهداً كبيراً، ولا وقتاً طويلاً في الترتيب والإعداد والتقديم.

كيف تكون  النصيحة لله – عز وجل -؟

قال المباركفوري – رحمه الله -: "قال الجزري في النهاية: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها، وأصل النصح في اللغة الخلوص، ويقال: نصحته ونصحت له، ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به، والعمل بما فيه، ونصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته، والانقياد لما أمر به ونهى عنه، ونصيحة الأئمة أن يطيعهم"6. أ.هـ

ومن النصيحة لله أن تكون غيرته لله، فيغار لله – عز وجل – إذا انتهكت محارمه، ومن النصيحة لله أن يذب عن دين الله – تعالى – الذي شرعه لعباده، فيبطل كيد الكائدين، ويرد على الملحدين الذين يعرضون الدين وكأنه قيود تقيد الناس عن حرياتهم، والحقيقة أنها قيود حرية، لأن الإنسان يتقيد لله – عز وجل – وبالله، وفي دين الله من لم يتقيد بهذا تقيد للشيطان والعياذ بالله – عزوجل -، وذلك لأن النفس أمارة بالسوء، فإذا انقاد الإنسان للكتاب والسنة فهو المطلوب، ومن لم ينقد لذلك فقد انقاد لشيطان وهواه – والعياذ بالله -، ولله در ابن القيم – رحمه الله – حيث قال:

هربوا من الرق الذي خلقوا له                وبلوا برق النفس والشيطان7

قال ابن دقيق العيد – رحمه الله -: "فقال الخطابي وغيره من العلماء: النصيحة لله – تعالى – معناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشرك عنه، وترك الإلحاد وصفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه عن جميع النقائص، والقيام بطاعته واجتناب معصيته، والحب فيه، والبغض فيه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمته، والشكر عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة، والحث عليها، والتلطف بالناس قال الخطابي: وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله سبحانه غني عن نصح الناصح"8.أ.هـ

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: "فالنصيحة لله – عز وجل-: هي النصيحة لدينه كذلك بالقيام بأوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق خبره، والإنابة إليه، والتوكل عليه، وغير ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه"9.أهـ.

وقال أبو الحسن بن أبي ذر – رحمه الله – كما في بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار: "فالنصح لله – عز وجل – هو: وصفه بما هو أهله، وتنزيهه عما هو ليس بأهل له عقداً وقولاً، والقيام بتعظيمه، والخضوع له ظاهراً وباطناً، والرغبة في محابه، والبعد من مساخطه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، والجهاد في رد العاصين إلى طاعته قولاً وفعلاً"10.أهـ.

وقال صاحب قسم الحديث: "النصيحة لله: وهي كلمة جامعة لأداء حق الله – جل وعلا – الواجب والمستحب، فحق الله الواجب هو الإيمان به، بربوبيته وإلهيته، وبأسمائه وصفاته:

1. إيمان بأنه هو الرب المتصرف في هذا الملكوت وحده لا شريك له في ربوبيته، ولا في تدبيره للأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد سبحانه وتعالى.

2. والنصيحة لله في ألوهيته أن يُعْطَى الحق الذي له في ألوهيته، وهو أن يُعْبَد وحده بجميع أنواع العبادات، وألا يُتَوَجَّه لأحد بشيء من العبادات إلا له – سبحانه وتعالى -، كل عبادة تُوُجِّه بها إلى غير الله – جل وعلا – فهي خروج عن النصيحة لله – جل وعلا – يعني عن أداء الحق الذي له سبحانه وتعالى"11.أهـ

كيف تكون النصيحة لكتاب الله؟

والنصيحة لكتاب الله – عز وجل – تكون بالتصديق بأخباره فما أخبر به يجب أن نصدقه، وأن تؤمن بأن الله – تعالى – تكلم بهذا القرآن حقيقة، وأنه كلامه – عز وجل -، الحرف والمعنى ليس الكلام الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، بل إنه كلام الله لفظاً ومعنى، تكلم به، وتلقاه منه جبريل، ثم نزل به على محمد – صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله – تعالى -: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}12.

ومن النصيحة لكتاب الله – تعالى – أن يقوم الإنسان باحترام هذا القرآن الكريم الذي لا يأتيه لباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ذلك أن لا يمس القرآن إلا وهو طاهر لقوله – عز وجل -: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ13 ومن النصيحة لكتاب الله – عز وجل – أن لا تضعه في موضع يمتهن فيه، ويكون وضعه فيه امتهاناً له كمحل القاذورات وما أشبه ذلك.

وكذلك احترامه بالتحاكم إليه كما قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله -: "والنصيحة لكتابه: الإيمان بأنه كلام الله، وأنه مشتمل على الأخبار الصادقة، والأحكام العادلة، والقصص النافعة، وأنه يجب أن يكون التحاكم إليه في جميع شئوننا"14.

ومن النصيحة لكتاب الله أن يدافع الإنسان عنه، فيدافع من حرفه تحريفاً لفظياً، أو تحريفاً معنوياً، أو من زعم أن فيه نقصاً أو أن فيه زيادة كما تقول الرافضة عليهم من الله ما يستحقون قال أبو الحسن بن أبي ذر – رحمه الله -: "النصيحة لكتابه: إقامته في التلاوة، وتحسينه عند القراءة، وتفهم ما فيه واستعماله، والذب عنه من تأويل المحرفين، وطعن الطاعنين"15.أ.هـ، وقال الحافظ ابن دقيق العيد – رحمه الله -: "قال الخطابي وغيره من العلماء: وأما النصيحة لكتابه – سبحانه وتعالى – فبالإيمان أنه كلام الله – تعالى – وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الناس، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذب عنه لتأويل المحرفين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواضعه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه، والدعاء إليه، وإلى ما ذكرنا من نصيحته"16. أ.هـ

كيف تكون النصيحة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟

والنصيحة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – تتضمن أشياء عدة الأول منها:

   الإيمان التام برسالته، وأن الله – تعالى – أرسله إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم، بل إنسهم وجنهم قال الله – تعالى -: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً}17، وقال – تعالى -: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً}18، وقال – تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}19، والآيات في هذه كثيرة فيؤمن بأن محمداً رسول الله إلى جميع الخلق من الجن والإنس، ومن النصيحة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – تصديق خبره، وأنه صادق مصدوق، صادق فيما يخبر به، مصدوق فيما أخبر به من الوحي فما كذب، ولا كذب – صلى الله عليه وسلم -، وذلك من تمام التوحيد.

   ومنها صدق الاتباع له بحيث لا تتجاوز شريعته، ولا تنقص عنها، فتجعله إمامك في جميع العبادات، فإن الرسول – صلى الله عليه وسلم – هو إمام هذه الأمة وهو متبوعها، ولا يحل لأحد أن يتبع سواه، إلا إن كان واسطة بينه وبين الرسول – صلى الله عليه وسلم – بحيث يكون عنده من علم السنة ما ليس عندك.

   الذب عن شريعته، وحمايتها، فالذب عنها بأن لا ينتقصها أحد، والذب عنها بأن لا يزيد فيها أحد ما ليس منها، فتحارب أهل البدع القولية، والفعلية، والعقدية، لأن البدع كلها باب واحد، وكلها حقل واحد، وكلها ضلالة كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كل بدعة ضلالة))20، لا يستثنى من هذا بدعة قولية ولا فعلية ولا عقدية، فكل ما خالف هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – وما جاء به في العقيدة أو القول أو في العمل فهو بدعة، ومن النصيحة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن تحارب أهل البدع بمثل ما يحاربون به السنة إن حاربوا بالقول فبالقول، وإن حاربوا بالفعل فبالفعل، جزاء وفاقاً، لأن هذا من النصيحة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

   ومن النصيحة للنبي – صلى الله عليه وسلم – احترام أصحابه، وتعظيمهم ومحبتهم قال أبو الحسن بن أبي ذر – رحمه الله -: "والنصيحة للرسول – صلى الله عليه وسلم -: مؤازرته ونصرته، والحماية من ذويه حياً وميتاً، وإحياء سنته بالطلب، وإحياء طريقته في بث الدعوة، وتأليف الكلمة، والتخلق بأخلاقه الظاهرة"21 أ. هـ، وقال الحافظ ابن دقيق العيد – رحمه الله -: "قال الخطابي وغيره من العلماء: وأما النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم -: فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه، وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وإجابة دعوته، ونشر سنته، ونفي التهمة عنها، واستئثار علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك22، وقال العلامة العثيمين – رحمه الله -: "والنصيحة للرسول – صلى الله عليه وسلم -: الإيمان به، وأنه رسول الله إلى جميع العالمين، ومحبته والتأسي به، وتصديق خبره، وامتثال أوامره واجتناب نهيه، والدفاع ونحوه عن دينه"23.

كيف تكون النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم؟

والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم تكون بدلالتهم على الحق، ومعاونتهم على طاعة الله – عز وجل – بالحكمة والموعظة الحسنة قال الله – تبارك وتعالى -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}24، قال الحافظ ابن دقيق العيد – رحمه الله -: "قال الخطابي وغيره من العلماء: وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه وتبليغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم بالسيف، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم، والصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأن يدعو لهم بالصلاح.

وأما نصيحة عامة المسلمين – وهم من عدا ولاة الأمر – فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وإعانتهم عليها، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، والله أعلم"25 قال أبو الحسن بن أبي ذر – رحمه الله -: "والنصيحة للأئمة: معاونتهم على ما تكلفوا القيام به في تنبيههم عند الغفلة، وتقويمهم عند الهفوة، وسد خلتهم عند الحاجة، ونصرتهم في جميع الكلمة عليهم، ورد القلوب الناضرة إليهم.

والنصيحة لجماعة المسلمين: الشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتفريج كربهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم في الآجل، ودعوتهم إلى ما يسعدهم، وتوقي ما يشغل خواطرهم وفتح باب الوسواس عليهم، وإن كان في نفسه حقاً وحسناً، ومن النصيحة للمسلمين رفع مؤنة بدنه ونفسه وحوائجه عنهم"26.أ.هـ.

وقال العلامة العثيمين – رحمه الله -: "والنصيحة لأئمة المسلمين: مناصحتهم ببيان الحق، وعدم التشويش عليه، والصبر على ما يحصل منهم الأذى، وغير ذلك من حقوقهم المعروفة، ومساعدتهم ومعاونتهم فيما يجب فيه المعونة كدفع الأعداء، ونحو ذلك.

والنصيحة لعامة المسلمين: أي سائر المسلمين هي أيضاً بذل النصيحة لهم بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليمهم الخير وما أشبه هذا، ومن أجل ذلك صار الدين النصيحة، وأول ما يدخل في عامة المسلمين نفس الإنسان أن ينصح الإنسان نفسه"27.أ.هـ

وللحديث  فوائد عده منها:

أولاً: أن مواطن النصيحة خمسة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

ثانياً: جعله الدين قائماً على النصيحة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((الدين النصيحة))، كقوله: ((الحج عرفة)) أي: ركنه الأعظم، وكذلك الدين مبني على المناصحة.

ثالثاً: الحث على النصيحة في هذه المواطن الخمسة، لأنها إذا كانت هي الدين فإن الإنسان بلا شك يحافظ على دينه ويتمسك به، ولهذا جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – النصيحة في هذه المواطن الخمسة.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، وأن يوفقنا لطاعته وطاعة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 رواه مسلم (1/74) برقم (55).

2 شرح النووي على مسلم (2/37).

3 قسم الحديث (8/1).

4 شرح ابن بطال على صحيح البخاري (1/121).

5 رواه البخاري (1/31) برقم (57)؛ ورواه مسلم (1/75) برقم (56).

6 تحفة الأحوذي (6/44) محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري دار الكتب العلمية بيروت.

7 شرح قصيدة ابن القيم لأحمد بن إبراهيم بن عيسى (2/466)، المكتب الإسلامي – بيروت، ط3، سنة النشر 1406هـ، تحقيق: زهير الشاويش.

8 شرح الأربعين نووية (ج1/ص31).

9 الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين (1/16).

10 بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي (1/105).

11 قسم الحديث (8/2).

12 سورة الشعراء (192-195).

13 سورة الواقعة (79).

14 الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين (1/16).

15 بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي (1/105).

16 شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (1/31).

17 سورة النساء (79).

18 سورة الفرقان (1).

19 سورة الأنبياء (107).

20 رواه مسلم (2/592) برقم (867).

21 بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي (ج1/ص105).

22 شرح الأربعين النووية (1/31).

23 الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – (1/16).

24 سورة النحل (125).

25 شرح الأربعين النووية (1/31).

26 بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي (1/105).

27 الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – (1/16).