الغش في الامتحان

الغش في الامتحان

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ولا عدوان إلا على الظالمين،  والصلاة والسلام على السراج المنير البشير النذير من أرسله ربه تبارك وتعالى رحمة للعالمين فأنار الله – تبارك وتعالى – برسالته العقول، وشرح الله به الصدور محمد بن عبد الله أفضل البشر وأول من تنشق عنه الأرض سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام رضوان الله عليهم جميعاً وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن المتأمل في حياة الناس وواقعهم، والمتأمل في طلاب المدارس والجامعات يشاهد أنهم ينقسمون إلى قسمين وأظن ذلك لا يخفى على كل عاقل، حال أحدهم مجد في دروسه ومذاكرته ومراجعته، فيأتي الاختبار فيقوم بمراجعة ما كان قد ذاكره وكرره، فيمر عليه مرور الكرام وذلك لأنه محفوظ عنده في ذاكرته لكن أراد أن يستذكر ما قد قرء من قبل ليثبت وقت الحاجة إليه، فيدخل قاعة الاختبار فإذا هو مستعد له يأخذ ورقة الأسئلة وهو واثق بنفسه فيبدأ بالإجابة، والآخر مهمل في دراسته يحضر أحياناً ويغيب أحياناً إن حضر لا يأتي بكتبه وواجباته، وإن رجع إلى البيت أهمل دروسه لا يراجع ولا يقرأ، فلما يأتي موعد الاختبار تراه جزعاً خائفاً مذعوراً، يحاول القراءة لكن دون تركيز،لأنه يريد أن يقطع أكبر كم من الكتاب،ثم يقوم بنزع الأوراق من الكتاب، أو كتابة ما يتوقع أنه سيكون في ورقة الأسئلة،  فإذا حضر قاعة الامتحان،استلم ورقة الأسئلة رجت يده، وارتبك، فضاع ما كان قد علق بعقله، وأخذ يلتفت يميناً وشمالاُ عل فرصة تلوح له ليخرج ما قد وضعه في جيبه من قصاصات الأوراق، والبراشيم، فما أن يحاول أن يخرج ورقةً لينظر الإجابة منها إذ هجم المراقب عليه وأخذ ورقة الإجابة منه، وأعطاه صفراً في المادة وخرج راسباً في الاختبار، وقد يحاول الغش إذا غفل منه المراقب، ولا يفطن له لكن ما النتيجة؟ النتيجة أنه أخذ الشهادة بالغش وليست بجدارة فأصبح فاشلاً إن كان مدرساً، وإن كان طبيباً قد يحاول معالجة مريض فيقتله، وإذا كان مشدداً في الرقابة فإنه لا يستطيع إخراج هذه الأوراق التي حملها معه للغش، فتصبح النتيجة راسب في الاختبار، والاختبار والامتحان سنة من سنن الله تبارك وتعالى في هذه الأرض، وهذا الامتحان في أحوال الدنيا الفانية هذه الدنيا الدنيئة فما سميت دنيا إلا لدناتها، أما الامتحان الذي خلق الله – تبارك وتعالى – الخلق لأجله، وهو عباده الله تبارك وتعالى فكذلك ينقسم الناس فيها إلى قسمين ينقسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير قال الله – تبارك وتعالى -:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}1، فكما أن الناس ينقسمون إلى قسمين في الحياة الدنيا فكذلك في الآخرة كما في الآية الكريمة ويكون حالهم كالتالي:

الأول منهم من جد واجتهد في طاعة الله – تبارك وتعالى – والمسارعة في مرضاته، فزكت نفسه، وصلح حاله في دنياه وذلك بأن يعيش سعيداً وصلح حاله في الآخرة بأن كان من أهل الجنة دار الكرامة قال الله – تبارك وتعالى – مبيناً حال من زكى نفسه:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}2، وقال:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى}3، من عمل في هذه الحياة الدنيا من الصالحات فقد أفلح وفاز بالحصول على الدرجات العالية عند ربه – تبارك وتعالى – قال الله:{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى}4، فهذا فاز واجتاز الاختبار بتوفيق من الكريم الوهاب – سبحانه وتعالى – ويا لهو من فوز وقد فاز برضا الرحمن – تبارك وتعالى – وقد فاز بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، أعدت للذي عمل بما أراد الله – تبارك وتعالى -.

والآخر فرط وقصر في حق الله – تبارك وتعالى – فتراه يُؤذن لصلاة فلا يقوم لأدائها، أتي عليه مثلاً شهر رمضان المبارك فيضل ساهراً طوال الليل ليس في طاعة الرحمن ولكن في سبل الشيطان فتراه عاكفاً على المنكرات من قنوات هابطات، وأفلام يستحيي الشيطان أن ينظر إليها، نعوذ بالله من الخذلان، ثم ينام عن صلاة الفجر التي قال فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من صلى البردين دخل الجنة))5، والمقصود بهما صلاة الفجر وصلاة العصر، وعن جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه – قال: كنا جلوسا ليلة مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا. ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}6))7، عن ابن عمارة بن رؤيبة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)) وعنده رجل من أهل البصرة فقال: آنت سمعت هذا من النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم أشهد به عليه قال: وأنا أشهد لقد سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقوله بالمكان الذي سمعته منه"8، ويضل طوال النهار نائماً، لا يذكر الله – تعالى – إلا قليلاً، ألهذا خلقت يا عبد الله؟ ألهذا أوجدك الله – تبارك وتعالى – يا عبد الله؟، فيعاقب في الدنيا والآخرة أما عقاب الذي في الدنيا وذلك بكثرة الهموم والغموم، فهو يعيش في ضنك لأنه أعرض عن ذكر الله – تبارك وتعالى – وقد قال الله – تبارك وتعالى – في كتابه الكريم:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}9، يعاقبه الله – تبارك وتعالى – بأن يحرمه بركة الرزق، ويجعله في شقاء دائم، وفي الغالب أن من كان هذا حاله مبارزاً ربه – تبارك وتعالى – بالمعاصي والآثام فإنه لا يوفق للخاتمة الحسنة نعوذ بالله من سوء الخاتمة، ومن لاحظ أصحاب المعاصي علم ذلك، هذا في الدنيا أما في الآخرة فإنه سيكون من أهل جهنم والعياذ بالله، وذلك لأنه لم يسلك طريق المتقين لربهم – تبارك وتعالى – لم يسلك سبيل من أنعم الله – تبارك وتعالى – بالهداية، بل سلك سبيل الغواية، فأعرض عن ذكر الله – تبارك وتعالى – تهاون بالمحرمات، بل سارع في اقترافها، لم يستحِ من الله – تبارك وتعالى -، لم يصل لله الذي خلقه وأكرمه، أساء إلى والديه والجيران، فليت شعري بأي وجه يلقى ربه – تبارك وتعالى -، فمصيره أخبر الله تبارك وتعالى عنه في كتابه الكريم حيث قال:{وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}10، وقال الله – تبارك وتعالى -:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ}11، وأخبر سبحانه أنه من يعمل الحسنة فإنه سيجازيه خير منها، بل عشر حسنات، ومن رحمة الله – تبارك وتعالى – بالعصاة أنه يجازي بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، ولا يظلم ربك أحد من خلقه فقال:{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}12، وقال:{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}13، وقال الله – تعالى -:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}14، وأخبر أن الذين يعملون السيئات لهم عذاب شديد وأن العزة في طاعة الله – تبارك وتعالى – فقال:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }15، وقال الله تعالى مخبراً أنه لا يستوي من عمل الحسنات ومن عمل السيئات فقال:{أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}16، فباء بالخسارة في الاختبار، وأي خسارة تعادل غضب الرب – تبارك وتعالى -، وأي خسارة في دخول جهنم والعياذ بالله – تبارك وتعالى -، نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يوفقنا لكل خير وأن يجعلنا ممن عمل بطاعته وطاعة رسوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، واستقام على شرع الله تبارك وتعالى، ونسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن يجيرنا من النار، إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.


1 سورة الشورى(7).

2 سورة الشمس(9).

3 سورة الأعلى(14).

4 سورة طـه(75).

5 رواه البخاري برقم(548)؛ ومسلم برقم(635).   

6 سورة طـه(130).

7 رواه البخاري برقم(4570)؛ ومسلم برقم(633).

8 رواه مسلم برقم(634).

9 سورة طه(124).

10 سورة يونس(27).

11 سورة النحل(45).

12 سورة القصص(84).  

13 سورة الأنعام(160).

14 سورة الكهف(49).

15 سورة فاطر(10).

16 سورة الجاثية(21).