آمين

آمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:

يذهب المسلم إلى المسجد كل يوم، وتأتيه من الأجور ما الله به عليم، فله أجر الذهاب، وله أجر الإياب، وله أجر انتظار الصلاة، وغير ذلك من الأجور المتحصلة في المساجد، لكننا سنقف عند أجر عظيم من هذه الأجور التي يمنُّ الله بها على من يشاء من عباده، فمن ذلك ما جاء عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة  أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا أمَّن الإمام فأمنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه1، والتأمين هو قولنا: “آمين” قال ابن عبد البر: “أمَّن الإمام فأمِّنوا ومعلوم أن التأمين هو قول الإنسان: “آمين” عند دعائه أو دعاء غيره إذا سمعه، ومعنى (آمين) عند العلماء أي: “اللهم استجب لنا”2.

والتأمين مشروع بعد قراءة الفاتحة؛ يقول ابن الأمير الصنعاني – رحمه الله -: “وقد أخرج البخاري في شرعية التأمين للمأموم من حديث أبي هريرة  قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، وأخرج أيضاً من حديثه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إذا قال الإمام: ولا الضالين فقولوا: آمين3 الحديث؛ وأخرج أيضاً من الحديث مرفوعاً: إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين؛ فوافق أحدهما الآخر غفر الله له ما تقدم من ذنبه4، فدلت الأحاديث على شرعية التأمين للمأموم، والأخير يعم المنفرد، وقد حمله الجمهور من القائلين به على الندب، وعن بعض أهل الظاهر أنه للوجوب عملاً بظاهر الأمر، فأوجبوه على كل مصل”5.

لننظر إلى هذا الفضل العظيم! تقول: “آمين” فيغفر الله لك ما تقدم من الذنب، لكن يذكر بعض أهل العلم أن “آمين” لا بد وأن تكون نية صاحبها خالصةً صادقةً، وأن يكون الداعي غير ساهٍ ولا لاهٍ، فلا بد أن يكون قلبه حاضراً، قلب ترك الدنيا، وانصرف إلى الله؛ يدعوه ويناجيه، يسأله ويناديه، قلب توكل على خالقه؛ فأيقن أنه سيستجيب له، قال ابن عبد البر – رحمه الله -: “وأما قوله في هذا الحديث: من وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه؛ ففيه أقوال منها: أنه يحتمل أن يكون أراد: من أخلص في قوله “آمين” بنيةٍ صادقةٍ، وقلب صافٍ؛ ليس بساهٍ ولا لاهٍ، فيوافق الملائكة الذين في السماء؛ الذين يستغفرون لمن في الأرض، ويدعون بنياتٍ صادقةٍ، ليس عن قلوب لاهية؛ غفر له إذا أخلص في دعائه”6، فالتأمين في الصلاة كالدعاء يحتاج إلى حضور قلب، وقد ثبت عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ7، وهذا يدخل في عموم فضل الذكر، وما فيه من الأجر الكبير، وحط للأوزار، وغفران الذنوب، قال صاحب التمهيد: “والوجه عندي في هذا – والله أعلم – تعظيم فضل الذكر، وأنه يحط الأوزار، ويغفر الذنوب، وقد أخبر الله عن الملائكة أنهم: يستغفرون للذين آمنوا، ويقولون: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك8، فمن كان منه من القول مثل هذا بإخلاصٍ واجتهادٍ، ونيةٍ صادقةٍ، وتوبةٍ صحيحةٍ؛ غفرت ذنوبه – إن شاء الله -“9.

وانظر – يا رعاك الله – كيف أن رحمة الله واسعة، فقد جعل الله الأجر الكبير لمن فعل هذا العمل اليسير غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه، قال ابن حجر – رحمه الله تعالى -: “قوله غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر”10، فكم نعصي، وكم نخطئ؛ ألا نحتاج إلى مثل هذا الخير؟

بل يرجو الإمام النووي أن يدخل في ذلك غفران الكبائر يقول – رحمه الله تعالى -: “وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، والجواب ما أجابه العلماء: أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة؛ كتبت به حسنات، ورفعت به درجات، وإن صادفت كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغيرة؛ رجونا أن يخفف من الكبائر، والله أعلم”11.

نسأل الله الكريم أن يتقبل أعمالنا، وأن يجعلها صالحة، ولوجهه خالصة إنه ولي ذلك والقادر عليه.


1 البخاري برقم (747)، ومسلم برقم (410).

2 التمهيد لابن عبد البر (7-9).

3 صحيح البخاري برقم (749).

4 صحيح البخاري برقم (162).

5 سبل السلام (1-37).

6 التمهيد لابن عبد البر (7-15).

7 رواه الترمذي (3401)، قال الألباني: حسن لغيره، صحيح الترغيب والترهيب (2-133).

8 (غافر:7).

9 التمهيد لابن عبد البر (22-32).

10 فتح الباري (2-265).

11 شرح مسلم للنووي (3-113).