من أحكام يوم الجمعة
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد اختص الله –تبارك وتعالى- هذه الأمة بخصائص كثيرة، وفضائل جليلة، منها اختصاصه إياها بيوم الجمعة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق)1.
هذا اليوم اجتمع فيه من الخصائص والفضائل ما لم يجتمع في غيره من الأيام، فكان أفضل الأيام؛ كما جاء في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ))2.
َيَوْمُ الْجُمُعَةِ كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: "يَوْمُ عِبَادَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَيّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشّهُورِ وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ. وَلِهَذَا مَنْ صَحّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمْعَتِهِ وَمَنْ صَحّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ، وَمَنْ صَحّتْ لَهُ حَجّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ صَحّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ، وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ، وَالْحَجّ مِيزَانُ الْعُمْرِ"3.
يوم الجمعة -أيها المسلمون- يوم مبارك شاهد ومشهود؛ فمن حضره يشهد له، ومن تخلف بغير عذر يشهد عليه، والملائكة الذين على الأبواب بعد ذلك شهود وقد فضله الله على سائر الأيام كما فضل الشمس على سائر النجوم..
ومما جاء في فضل يوم الجمعة ما جاء في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((عرضت الجمعة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاءه بها جبرائيل -عليه السلام- في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء، فقال: ما هذه يا جبرائيل؟ قال: هذه الجمعة، يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك ولكم فيها خير، تكون أنت الأول وتكون اليهود والنصارى من بعدك وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد))4..
هذا اليوم المبارك خصه الله من بين سائر الأيام بأحكام دون غيره من الأيام؛ فمن أحكامه: أن الله حرم البيع والشراء بعد نداء الثاني؛ لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}5. وما ذاك إلا الذي ينشغل بالبيع والشراء يفوته الواجب، ويشغل عنه، فدل ذلك على أن كل أمرٍ وإن كان مباحاً في الأصل إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب فإنه لا يجوز فعله في تلك الحال.
فكل عمل يؤخر الإنسان عن حضور الجمعة، أو يشغله عن ذلك فإنه يحرم عليه فعله؛ سواء كان بيعا أو شراء، أو ما أشبه ذلك من العقود والمعاملات والأعمال التي تشغل الإنسان عن الجمعة..
ومن أحكام يوم الجمعة: أنه إذا دخل وقت صلاة الجمعة، يحرم السفر لمن تلزمه الجمعةُ بعد النداء لها؛ لأن السفر مانعٌ من حضور الصلاة؛ كما نص على ذلك ابن القيم -رحمه الله-6..
ولكن لو خاف فوات الرفقة، أو فوات الطائرة التي حجز عليها، أو فوات غرضه لو تأخر؛ فله السفر للضرورة، أما السفر قبل النداء لصلاة الجمعة، فيُكره، إلا إذا كان سيؤديها في طريقه في جامع آخر..
ومن أحكامها: أن صلاة الجمعة فرض على كل ذكر حر مكلف مسلم مستوطن ببناء، فلا تجب الجمعة على مسافر سفر قصر، ولا على عبد وامرأة، ومن حضرها منهم أجزأته. وتسقط الجمعة بسبب بعض الأعذار كالمرض والخوف7.
ومن أحكامها: أنه يستحب أن يقرأ الأمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل، ولا يقتصر على بعضهما كما يفعل بعض الأئمة..
ومن ذلك أنه: يحرم تخصيص يوم الجمعة منفردًا بصيام؛ وليلها بقيام؛ لما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم))8.
والحكمة في النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام: أن يوم الجمعة عيد للأسبوع، فمِن أجل هذا نُهي عن إفراده بالصوم، ولأن يوم الجمعة يوم ينبغي للرجال فيه التقدُّم إلى صلاة الجمعة، والاشتغال بالدعاء والذِّكر، فهو شبيه بيوم عرفة الذي لا يشرع للحاج أن يصومه؛ لأنه مشتغل بالدعاء والذكر؛ لكن إذا صادف يومُ الجمعة يومَ عرفة، فصامه المسلم وحده، فلا بأس بذلك، وكذلك لو عليه قضاءٌ من رمضان، ولا يتسنى له فراغ إلا يوم الجمعة، فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ وذلك لأنه يوم فراغه، وكذلك لو صادف يوم الجمعة يوم عاشوراء فصامه، فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء، لا لأنه يوم الجمعة، فالحديث نهى عن التخصيص؛ أي: أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلته9.
فمن أراد صيامه فعليه أن يصوم يوما قبله أو بعده؛ لحديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده))10.
ومن أحكامها: أنه يستحب أن يكثر الإنسان في هذا اليوم من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لحديث أوس بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ)11.
ومن أحكامها: أنه يستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين))12.
ومن أحكامها: أنه يجب الإنصات للخطبة والاهتمام بما يقال فيها، فعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)13.
وعند أبي داوود: (ومن لغا أو تخطى، كانت له ظهراً)14.
ومن أحكام يوم الجمعة: أنه يستحب الاغتسال لها، بل ذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك؛ روى ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جاء أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ))15، وعن أبي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الْغُسْلُ يوم الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كل مُحْتَلِمٍ))16.
فلا يحل للمسلم أن يؤذي إخوانه في المساجد بالروائح الكريهة في جسمه أو فمه أو ثوبه؛ لما روت عَائِشَةُ -رضي الله عنها- أنها قالت: ((كان الناس يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ من مَنَازِلِهِمْ من الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ في الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فَتَخْرُجُ منهم الرِّيحُ فَأَتَى رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إِنْسَانٌ منهم وهو عِنْدِي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هذا))17 وفي رواية: ((لو اغْتَسَلْتُمْ يوم الْجُمُعَةِ))18.
نلحظ في هذه الأحاديث: مدى عناية الإسلام بالمظهر والنظافة، وخاصة في أيام الأعياد والمجتمعات، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماذا على أحدكم إذا اتخذ ثوباً لجمعته سوى ثوب مهنته؟)19..
ومن أحكام يوم الجمعة: أنه يستحب للمسلم أن بلبس أحسن الثياب؛ لما جاء في حديث ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ: ((رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فقال: يا رَسُولَ الله، لو اشْتَرَيْتَ هذه فَلَبِسْتَهَا يوم الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذا قَدِمُوا عَلَيْكَ))20. وفي سنن أبي داود: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما على أَحَدِكُمْ إن وَجَدَ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ))21.
ويستحب له أيضا: التطيب والإدهان، والسواك؛ لما جاء في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ على كلِ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ من الطِّيبِ ما قَدَرَ عليه))22. وفي حديث ابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ هذا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ الله لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ جاء إلى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كان طِيبٌ فَلْيَمَسَّ منه وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ))23.
ولو أن المسلم جعل يوم الجمعة ميقاتا لتقليم أظافره، وقص شاربه، وإزالة ما أُمر به من شعر جسده لكان ذلك أبلغ في النظافة، وأكمل في الزينة، ويؤجر على قصده به التجمل للجمعة، وقد صح عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنه كان يقلِّم أظفاره ويقص شاربه في كل جمعة"24.
ومن أحكام يوم الجمعة: أن المشي إلى الجمعة أفضل من الركوب؛ لما روى أَوْسُ بن أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غَسَّلَ يوم الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى ولم يَرْكَبْ وَدَنَا من الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ ولم يَلْغُ كان له بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا))25.
ومن أحكامها: أنه يستحب التبكير إلى صلاة الجمعة، وهذه سنة كادت تموت، فرحم الله من أحياها؛ فقد جاء في حديث سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يوم الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ ما اسْتَطَاعَ من طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ من دُهْنِهِ أو يَمَسُّ من طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فلا يُفَرِّقُ بين اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي ما كُتِبَ له ثُمَّ يُنْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلا غُفِرَ له ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى))26، وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اغْتَسَلَ يوم الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بدنه وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فإذا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ))27. وفي رواية: ((فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر))28.
أيها الناس: إنه لشرف عظيم لمن يأتي مبكرا لأداء صلاة الجمعة؛ حيث أن ملائكة الرحمن يقفون بصحفهم على أبواب المساجد؛ ليس لهم شُغل إلا تسجيل حضور الحاضرين إلى الجُمَعة، وتبكير المبكرين إلى الجوامع، فما قيمة الإنسان ومقامه حتى يحظى بهذا الشرف العظيم لولا فضل الله تعالى عليه بالهداية والإيمان والتكريم والرفعة!.
وهذه الفضائل التي ذكرنا -يا عباد الله- تفوت كلها على المتأخر؛ ومع الأسف في هذا الزمان قلَّ الاهتمام بالتبكير لحضور صلاة الجمعة، فالكثير لا يأتون إليها إلا عند دخول الإمام، والبعض يأتي عند الإقامة، فيحرمون أنفسهم من هذه الأمور العظيمة، والفضائل المتعددة التي منها الدعاء كما روى البخاري ومسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة، فقال: ((فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه))29. وقد جاء في رواية تحديد وقتها: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضي الصلاة))30.
فإذا قعد الإمام على المنبر استحب للحضور متابعة المؤذن، ثم أنصتوا للخطبة، فإن دخل أحدهم والإمام يخطب فلا يتخطى الرقاب للنهي عن ذلك، ويقصد أقرب فرجة ويصلى ركعتين ثم ينصت للخطبة؛ لحديث جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: ((جاء رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ الناس يوم الْجُمُعَةِ، فقال: أَصَلَّيْتَ يا فُلَانُ؟ قال: لَا، قال: قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ))31.
وأما الانشغال عن الخطبة بأي أمر فإن ذلك محرم؛ ولغو يذهب أجر الجمعة؛ فقد جاء في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يوم الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ))32. وفي الحديث الآخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((… وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا))33.
ومن أحكامها: أن لصلاة الجمعة سنة بعدية؛ ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها؛ كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا))34، وذلك في المسجد.
وجاء في حديث ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما-: ((أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حتى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ))35. وذلك في البيت-والعلم عند الله-.
قال إسحاق: "إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين"، وقال أبو بكر الأثرم: "كل ذلك جائز"36.
وعليه أن لا يَصِل السُنة بالفريضة، بل يفصل بينها بذكر أو كلام أو حركة؛ لحديث معاوية -رضي الله عنه- قال: ((إذا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فلا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حتى تَكَلَّمَ أو تَخْرُجَ، فإن رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حتى نَتَكَلَّمَ أو نَخْرُجَ))37.
ومن أحكام يوم الجمعة: أنه ينبغي الإنكار على المتأخر عن الجمعة؛ فهذا عثمان بن عفان ذات مرة تأخر عن الجمعة حتى صعد عمر -رضي الله عنه- المنبر، فأنكر عمر عليه أمام الناس؛ كما روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: ((أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ بَيْنَا هو يَخْطُبُ الناس يوم الْجُمُعَةِ دخل رَجُلٌ من أَصْحَابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هذه؟ فقال: إني شُغِلْتُ الْيَوْمَ فلم أَنْقَلِبْ إلى أَهْلِي حتى سمعت النِّدَاءَ، فلم أَزِدْ على أَنْ تَوَضَّأْتُ، قال عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، وقد عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟!))38.
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فيه الإنكار على مخالف السنة، وإن كان كبير القدر، وفيه جواز الإنكار على الكبار في مجمع من الناس"39.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "وفي هذا الحديث من الفوائد: تفقد الإمام رعيته، وأمره لهم بمصالح دينهم، وإنكاره على من أخل بالفضل وإن كان عظيم المحل، ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها"40.
فعلينا جميعا -أيها المؤمنون- أن نقوم بما أمرن الله به، وبما حثنا عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 رواه مسلم(1415).
2 رواه مسلم(1410).
3 زاد المعاد(1/398).
4 رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح، برقم(2084). وقال الألباني: "حسن صحيح"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(694).
5 سورة الجمعة(9).
6 زاد المعاد(1/382).
7 الشرح الممتع(5/7- 24).
8 رواه مسلم(1930)
9 اهـ ملخصًا من كلام العلامة ابن عثيمين – رحمه الله.
10 رواه البخاري(1949) ومسلم(1929) واللفظ للبخاري.
11 رواه النسائي (1357) أبو داود(883) وابن ماجه، (1075) وهو في صحيح أبي داود، رقم (962).
12 الحاكم () والبيهقي وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الترغيب، رقم(736).
13 رواه البخاري(882). ومسلم(1404).
14 رواه أبو داود، برقم(293). وهو في صحيح أبي داود، برقم(721).
15 رواه البخاري(828) ومسلم(1296).
16 رواه البخاري (811) ومسلم(1297).
17 رواه البخاري(851) ومسلم(1398).
18 رواه مسلم(1399).
19 رواه ابن ماجه(1085)، وهو في صحيح ابن ماجه، برقم (989).
20 رواه البخاري(837) ومسلم(3851)
21 أخرجه أبو داود، برقم(910) وهو في صحيح أبي داود، برقم(989).
22 رواه مسلم(1400)
23 رواه ابن ماجه برقم(1088). وقال الألباني : "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب، برقم(707).
24 رواه البيهقي في السنن الكبرى(5758). وقال الألباني :"صح موقوفا على ابن عمر -رضي الله عنه-"؛ كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة (3/240).
25 رواه الترمذي، رقم(456) وأبو داود، (292) وابن ماجه (1077) وهو في صحيح أبي داود، برقم (373). وفي صحيح الترغيب والترهيب، برقم(690).
26 رواه البخاري(834).
27 رواه البخاري(832). ومسلم(1403).
28 رواه البخاري(877).
29 رواه البخاري(838). ومسلم(1407).
30 رواه مسلم(1409).
31 رواه البخاري(878). ومسلم(1449)
32 رواه البخاري(882) ومسلم(1404)
33 رواه مسلم(1419).
34 رواه مسلم(1463)
35 رواه مسلم(1457).
36 الحدائق لابن الجوزي(2/ 183).
37 رواه مسلم(1463).
38 رواه البخاري(829). ومسلم(1395).
39 شرح النووي على مسلم(6/134).
40 فتح الباري(3/280)