حسن الظن

حسـن الظـن

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فهذا درس من الدروس العامة المتعلقة بالأخلاق الحميدة في الإسلام وهو: حسن الظن، ومنبع ذلك صفاء العقيدة ونورها، وبعدها عن الشرك والبدع والخرافات، والانحرافات الخلقية.

أيها الناس: اعلموا أن حسن الظن: خلق فاضل وصفة عالية لأهل الإيمان، دال على صدق تدينهم، ورفعة مكارمهم.

مفهوم حسن الظن:

قال ابن العربي -رحمه الله-:

(الظن تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر)1 وعلى هذا فحسن الظن: ترجيح جانب الخير على جانب الشر.

من معاني كلمة الظن في القرآن الكريم:

ورد الظن في القرآن مجملاً بمعاني، منها:

بمعنى اليقين، بمعنى الشك والريب.

أ-الظن بمعنى اليقين، كقوله -تعالى-: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ*  الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (46) سورة البقرة، أي الذين يعتقدون ويتيقنون أنهم سيلاقون ربهم -عز وجل-، ولا يمكن أن يفسر الظن هنا بمعنى احتمال أمرين أحدهما أرجح من الآخر؛ لأن يوم القيامة آت لا ريب فيه ولا ظن.

ومنه قوله -تعالى-: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ} (4) سورة المطففين. ومعناها: ألم يتيقن أولئك من البعث بعد الموت؟.. وقوله -تعالى-: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} (20) سورة الحاقة.

ب-الظن بمعنى الشك والتهمة: فمنه قوله -تعالى-: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (10) سورة الأحزاب. وقوله -تعالى-: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (154) سورة آل عمران.

قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله -تعالى- في الآية السابقة: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية): كما قال في الآية الأخرى: (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً} إلى آخر الآية.. وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإسلام قد باد وأهله، وهذا شأن أهل الريب والشك إذا حصل أمر من الأمور الفظيعة تحصل لهم هذه الظنون الشنيعة).2

أقسام الظن وأحكامه:

الظن لا يخرج عن أمور خمسة:

الأول: الظن المحرم: وهو سوء الظن بالله -تعالى-، ويقابله وجوب حسن الظن بالله، والمراد بالتحريم هنا الشرك الأكبر والكفر الأكبر.

الثاني: حرمة سوء الظن بالمسلمين: الذين ظاهرهم العدالة، والمطلوب حسن الظن بهم.

الثالث: الظن المباح، وهو الذي يعرض في قلب المسلم في أخيه بسبب ما يوجب الريبة وهذا الظن لا يُحَقَّقُ. (أي في الواقع).

الرابع: الظن المندوب إليه، وهو حسن الظن بالأخ المسلم، وعليه الثواب.

الخامس: الظن المأمور به: وهو الظن فيما لم يَنُصّ عليه دليل يوصلنا إلى العلم، وقد تعبّدنا الله بالاقتصار على الغالب الظني فيه، كقبول شهادة العدول، وتحري القبلة، وتقويم المستهلكات، وأروش الجنايات التي لم يرد نص في تقديره3.

الآيات الواردة في (حسن الظن).. منها:

1-             {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} (12) سورة النــور.  

2-             {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا} (12) سورة الجن. 

3-             {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ *إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ} الحاقة 19 – 20)

الأحاديث الواردة في (حسن الظن):

1-     عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاثة أيام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله -عز وجل-)4.

2-     عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: (قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قديمه لأبصرنا! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما).5

3-     عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أرد أن يخرج سفراً أقرع بين نسائه،.. الحديث.. وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم: (فوالله ما علمتُ على أهلي إلا خيراً)6. وفيه إحسان الظن بالزوجة؛ لأن الأصل فيها السلامة والطهر.

وهناك أحاديث كثيرة في حسن الظن.

من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (حسن الظن):

1-     عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله -عز وجل-، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه الله -عز وجل- ظنه ذلك بأن الخير في يده).7

2-     عن سفيان الثوري -رحمه الله- في قوله -تعالى-: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (195) سورة البقرة، قال: أحسنوا الظن بالله).8

نسأل الله -عز وجل- أن يقوي إيماننا به وتوكلنا عليه، وأن يلهمنا حسن الظن به، وبالمؤمنين، وأن يعيذنا من الشيطان الرجيم وخطواته وحزبه. اللهم آمين.

 


1–  (أحكام القرآن 4/1712).

2–  تفسير ابن كثير (1/554).

3–  (انظر منهج الدعوة الإسلامية في البناء الاجتماعي (412).

4–  رواه مسلم.

5–  رواه البخاري.

6–  رواه البخاري ومسلم. وهو حديث طويل.

7–  (انظر حسن الظن لابن أبي الدنيا (96).

8–  (حلية الأولياء لأبي نعيم (9/318). و(انظر نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم 5/1596) عند موضوع (حسن الظن) بتصرف.