إعانة طالب علم

إعانة طالب علم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على النبي الكريم، وعلى آله وأصحابه الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد كان العلم – ولا زال – مُعتنىً به، لما فيه من الرفعة والسمو التي تظهر على صاحبه، ولما فيه من التمكين والعزة التي ينالها أهله، ومن التقدير والمحبة التي تصرف لطالبه، فطالب العلم محبوب مرغوب فيه أينما حلَّ ونزل، تهفو إليه الأنفس، وتميل إليه القلوب، وتتشوف لسماعه الآذان، وتطيب المجالس بالحديث عنه، ما من مهنة ولا حرفة، ولا خبرة ولا فكرة، ولا خاطرة إلا ناتجة عن علمٍ أياً كان ذلك العلم، غير أن سيد العلوم هو العلم الشرعي الذي حث الله عليه، وحض على طلبه، ووصى بالنفير إلى منابعه الصافية حيث قال: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (التوبة:122)، نعم ليتفقهوا في الدين؛ لأنها هي مظنة محبة الله تعالى، فإنه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين 1.

فبما أن العلم الشرعي سيد العلوم، وسبيل المحبة الإلهية للعبد؛ فإن هذا يستلزم أن يسعى من كل طائفة فريق ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، وعلى الطائفة ترشيح نخبة من أهل الفطنة والذكاء من أنفسهم، وبعثهم إلى أماكن العلم، ومحاضن التعليم؛ ليدرسوا فترة من الزمن، ويتعلموا، ثم يرجعوا إليهم واعين مستفيدين، عارفين بما يجب وما يحرم عليهم.

والمطلوب هو إعانتهم، وبذل المعونة لهم، وتيسير الأسباب، وتمكينهم، وتفريغهم، ودفعهم، وتحفيزهم إلى ذلك، ويكون عبر تفريغهم من المشاغل، وتهيئة الظروف، وتوفير أسباب المعيشة لهم.

ويمكن أن تجمع لهم أموال من أهل الحي، وتقضى حوائجهم وديونهم حتى يفرغوا من هموم الدنيا؛ ويتجهوا نحو العلم بكل تفرغ ونشاط.

إن طالب العلم يحتاج إلى نفقات على نفسه، وعلى أسرته إن كان عائلاً، وإذا لم يساعد في تلك النفقات فلن يستطيع مواصلة طلبه للعلم، بل إنه سيتجه إلى طلب الرزق ويترك طلب العلم، وإذا لم يوجد من يتفرغ لطلب العلم من أهل الإسلام لأدى ذلك إلى ضياع علوم الإسلام واضمحلالها؛ ولهذا نجد في سير السابقين من السلف الصالح أن حكام زمانهم وأمراءهم كانوا يعينون طلاب العلم على مواصلة العلم، بل كانوا يخصصون رواتب للطلاب، والعلماء، والمشايخ، وهذا مشهور موجود في التاريخ، فينبغي على المسلمين في أحيائهم وقراهم أن يبعثوا بمن يطب العلم الشرعي أو العلوم التي لا بد منها مثل: علم الطب، وعلوم الصناعات المختلفة التي تفيد الأمة، وأن يساعدوهم، ويقوموا على شؤونهم إذا لم تقم الدول والحكومات بذلك، فهذا من الخير العظيم الذي يكتب للفاعل سواء كان تاجراً، أو مسؤولاً، أو أي أحد من أفراد الناس، وهو من التعاون على البر والتقوى الذي حث الله عليه في كتابه الكريم.

نسأل الله – تعالى – أن يهيئ لطلاب العلم والعلماء والدعاة من يعتني بهم، ويصلح شؤونهم.

والله الهادي إلى سواء السبيل.


1 صحيح البخاري: (1/126برقم: 69، وصحيح مسلم: 5/239برقم: 1719).