الكبائر والصغائر

 

 

الكبائر والصغائر

الخطبة الأولى                 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:

أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله تعالى.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }(1)، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(2)،

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(3). أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد  ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: لقد تهاون الناس بالذنوب والمعاصي فأقبلوا عليها دون خوف أو وجل من الله تبارك وتعالى، وإذا وعظت أحدهم قال: هذه صغيرة وسأستغفر!! فأتوا الكبائر ظناً منهم أنها من صغائر الذنوب، وقد قال ابن عباس: لا صغيرة مع الإصرار4؛ فلذلك سنذكر إن شاء الله تعالى في هذه الخطبة مفهوم الكبائر والصغائر.

يقول الله – تعالى -:{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}(31) سورة النساء، وقال – سبحانه -:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} (32) سورة النجم. إذا علم هذا فإنه يتعين على كل مسلم أن يعرف هذه الكبائر تمام المعرفة، ويجتهد في اجتنابها والبعد عن اقترافها، لئلا تكون حائلاً بينه وبين وعد الله له بالمغفرة الواسعة والمدخل الكريم، خصوصاً وأن النبي   حذرنا من اقترافها بقوله:{الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر}5.

الكبيرة في اللغة: من الكبر، قال ابن منظور رحمه الله: “الكبر: الإثم الكبير، وما وعد الله عليه النار، والكبرة كالكبر: التأنيث للمبالغة، وفي التنزيل العزيز: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَواحِشَ} الشورى:37. وفي الأحاديث ذكر الكبائر في غير موضع، واحدتها كبيرة: وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعاً لتعظيم أمرها”(6).

وأما تعريفها في الشرع: فقد اختلف في تحديدها على أقوال:

1- أنها ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيدٌ شديد بنص كتاب أو سنة.

2- أنها كل معصية أوجبت الحدّ. وبه قال البغوي وغيره.

3- أنها كل ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حدّ، وترك فريضة تجب فوراً،والكذب في الشهادة والرواية واليمين.

4- أنها كل جريمة(7).

5- أنها كل ذنب ختمه الله تعالى بنارٍ أو غضبٍ أو لعنةٍ أو عذاب، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما(8).

6- وقال القرطبي في المفهم: “الراجح أن كل ذنبٍ نصّ على كبره أو عظمه، أو توعّد عليه بالعقاب، أو علّق عليه حدّ، أو اشتدّ النكير عليه فهو كبيرة، وهذا الكلام في غير ما قد ورد النصّ الصريح فيه أنه كبيرة من الكبائر، أو أكبر الكبائر(9).

وأما حكم مرتكب الكبيرة:

1- ذهبت الخوارج إلى أن مرتكب الكبيرة كافر، وحكمه في الآخرة الخلود في النار.

2- وذهب المعتزلة إلى أن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فهو بمنزلة بين المنزلتين، أما في الآخرة فحكمه الخلود في النار، فخالفوا الخوارج في الاسم، ووافقوهم في الحكم.

3- وذهبت المرجئة إلى أنه لا يضر مع الإيمان معصية، فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان، ولا يستحق دخول النار.

4- وذهب أهل السنة والجماعة إلى أن مرتكب الكبيرة مؤمنٌ ناقص الإيمان، قد نقص من إيمانه بقدر ما ارتكب من معصية، فلا يسلب اسم الإيمان بالكلية، ولا يعطى اسم الإيمان بإطلاق، فهو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وحكمه في الآخرة أنه تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له ابتداء وأدخله الجنة، وإن شاء عذّبه بقدر معصيته، ثم يخرجه ويدخله الجنة(10).

وسنذكر أمثلة كثيرة للكبائر بعد تعريف الصغائر: فالصغائر في اللغة هي: كما قال ابن منظور رحمه الله: “الصغر: ضد الكبر. قال ابن سيده: الصغر والصغارة خلاف العِظم،وقيل: الصِّغَر في الجرم، والصَّغارة في القدْر”(11).

والصغائر شرعاً:

1- قيل: إنها ما لم يقترن بالنهي عنها وعيد أو لعن أو غضب أو عقوبة(12).

2- وقيل: ما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صغيرة(13).

3- وقيل: هي ما دون الحدّين: حدّ الدنيا، وحد الآخرة(14).

4- وقيل: هي كل ما ليس فيها حدٌّ في الدنيا ولا وعيدٌ في الآخرة، والمراد بالوعيد: الوعيد الخاص بالنار أو اللعنة أو الغضب(15).

أيها المسلمون: لابد أن نعلم أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار فعن سعيد بن جبير قال: إن رجلاً قال لابن عباس رضي الله عنهما: كم الكبائر أسبع هي؟ قال: (إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار)(16).

ويؤيد ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما، ما روى سهل بن سعد  قال: قال رسول الله  : ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قومٍ نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه))(17).

قال ابن القيم رحمه الله: “وها هنا أمرٌ ينبغي التفطّن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر. وقد يقترن بالصغيرة من قلّة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر. بل يجعلها في أعلى المراتب. وهذا أمرٌ مرجعه إلى ما يقوم بالقلب. وهو قدر زائد على مجرّد الفعل. والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره”(18).

اللهم جنبنا المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الطريق المستقيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين،وبعد..

أيها المسلمون: سنذكر في هذه الخطبة بعض هذه الكبائر التي يجدر بكل مسلم أن يوليها اهتمامه، علماً بها وحذراً من اقترافها، نسأل الله-تعالى- أن يقينا وسائر المسلمين الذنوب والمعاصي، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.

1-الشرك بالله – تعالى -: قال – تعالى -:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}المائدة:72، وقال النبي  🙁ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله.)19. وهـو نوعان: شرك أكبر وهو عبادة غير الله، أو صرف أي شيء من العبادة لغير الله،وشرك أصغر ومنه الرياء.

2-قتل النفس: قال- تعالى-:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء:93، وقال لالنبي  :{اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله…}20

3-السحر: قال الله – تبارك وتعالى -:” {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرََ}البقرة:102، وقال  :{اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله…}.

4-ترك الصلاة: قال – تعالى -: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}مريم:59. وقال  :{العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر}21

5-منع الزكاة: قال – تعالى-: {وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}فصلت:6.

6-عقوق الوالدين: قال – تعالى – ” {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}الإسراء:23.

وفي الصحيحين قال  : {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟..} فذكر منها عقوق الوالدين.

والكبائر كثيرة فمنها: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وموالاة أعداء الله ​​​​​​​ ،والزنا واللواط، وأكل الربا،وأكل مال اليتيم، والكذب على الله ​​​​​​​  وعلى رسوله  ، والكبر والفخر والخيلاء والعجب، وقول الزور، وشرب الخمر،والقمار، وقذف المحصنات، والسرقة، وقطع الطريق، واليمين الغموس، والظلم ويكون بأكل أموال الناس وبالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والكذب في غالب الأقوال، وتشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء، والدياثة، وعدم التنزه من البول وهو من فعل النصارى، والخيانة، والتعلم للدنيا وكتمان العلم، والمن، والمتسمع على الناس ما يسرونه، و الغيبة والنميمة، ولعن المسلم، وتصديق الكاهن والمنجم، ونشوز المرأة على زوجها، وأذى الجار، وغش الإمام للرعية، والأكل والشرب في آنية الذهب أو الفضة، ولبس الحرير والذهب للرجال، والجدل والمراء، ونقص الكيل والميزان، والأمن من مكر الله، وتكفير المسلم، وترك صلاة الجمعة والجماعة، وسب أحد الصحابة، والنياحة على الميت، وتغيير منار الأرض. ومن الكبائر بعض أفعال النساء كالواصلة والنامصة والمتنمصة والمتفلجة والواشمة، ومن الكبائر الإلحاد في الحرم، وإفطار رمضان بغير عذر، وترك الحج مع الاستطاعة.

هذه بعض الكبائر ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب”الكبائر”للإمام الذهبي،وكتاب”الكبائر”للإمام محمد بن عبد الوهاب، وكتاب”محرمات استهان بها الناس”للشيخ محمد صالح المنجد.  

وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يعصمنا من الوقوع في شيء من هذه الكبائر أوالصغائر، وأن يبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه اللهم اغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا وطهرنا من خطايانا ونقنا منها كما ينقى الثوب الأسود من الدنس والحمد لله رب العالمين.


1 سورة آل عمران (102).

2 سورة النساء آية رقم (1).

3 سورة الأحزاب (70-71).

4 – جامع العلوم والحكم لابن رجب (1/179).

5 أخرجه مسلم برقم(233).

6-لسان العرب لابن منظور (6/443) مادة: كبر.

7– انظر: الزواجر لابن حجر الهيتمي (1/14-25).

8– انظر: شرح الطحاوية (ص 371)، وشرح صحيح مسلم للنووي (2/85)، ومجموع الفتاوى (11/650).

9 -انظر: نيل الأوطار للشوكاني (10/243)، ومجموع الفتاوى (11/654-655)، وفتح الباري (12/184).

10 -انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص190-192).

11 -لسان العرب (7/351) مادة: صغر.

12 -انظر قواعد الأحكام للعزّ (ص 38).

13 -الجواب الكافي (ص 136).

14 -انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 371). ومجموع الفتاوى (11/650).

15 -شرح العقيدة الطحاوية (ص 371).

16 – جامع البيان (1/41)، وانظر: فتح الباري (12/183) ومختصر منهاج القاصدين (ص 257).

17 -رواه أحمد في المسند (5/331)، وصححه الألباني في الصحيحة (389).

18 – مدارج السالكين (1/356).

19 – متفق عليه.

20 -متفق عليه.

21 – أخرجه الترمذي برقم(2621) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(4143).