الشفاعة

الشفــاعــة

 

إن الله قد أكرم نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم – بمكارم عديدة، وفضائل محمودة، ومن هذه  المكارم والفضائل أن الله جعل له الشفاعة العظمى في ذلك الموقف الرهيب، وهو المقام المحمود؛ الذي قال الله فيه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} (79) سورة الإسراء.

 وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " أُعطِيتُ خمساً لم يُعطَهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراًَ فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأعطيت الشفاعة، وكل نبي بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" 1.

وهذه الشفاعة هي أعظم أنواع الشفاعات؛ لأن الناس يطول وقوفهم يوم القيامة، ويشتد بهم الغم والكرب، ويلجمهم العرق إلجاماً، كل بحسب عمله، فيريد الخلق أن يتخلصوا من كرب ذلك اليوم وشدته فيذهبون إلى آدم – عليه السلام- فيأتونه، فيقولون له: " يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟!!.. فيقول آدم :" إن ربي قد غضب  اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح" فيأتون نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلهم يرد عليهم بما رد عليهم نوح – عليهم السلام- " نفسي نفسي!".

 ثم يرشدهم عيسى إلى الذهاب إلى صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، فيأتونه فيقولون له :" يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الإ نبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟! قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي، ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال : يا محمد ارفع رأسك، سل تعط، اشفع تشفع. فأرفع رأسي، فأقول: يارب! أمتي أمتي، فيقال: يا محمد، أَدخِل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب…" 2.

ومما أكرم الله به نبيه وخصه من بين سائر الأنبياء استفتاح باب الجنة، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : " أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً " 3.

 وعن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :" آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك" 4.

وهاتان الشفاعتان خصتا بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم- دون غيره.

وله شفاعة ثالثة خاصة به، وهي شفاعته لعمه أبي طالب الذي خفف الله عنه العذاب بسبب شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم-.

وهناك شفا عات أخرى يشترك فيها النبي – صلى الله عليه وسلم-  مع غيره من الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين، وغيرهم من المؤمنين، وتكون شفاعتهم لأقوام ماتوا على الإسلام ولم يشركوا بالله شيئاً ،ولكنهم ارتكبوا بعض السيئات والمعاصي، ولم يتوبوا منها فيشفعوا لهم بدخول الجنة.

وشفاعة أخرى تكون لأناس دخلوا النار؛ وهم من أهل الكبائر، فيخرجون منها.

وشفاعة أخرى في رفع درجات من دخل الجنة من المؤمنين الموحدين.

ولتعلم – أخي- أن الشفاعة لابد لها من شروط، وهي:

أولاً: إذن الله للشافع أن يشفع؛ كما قال الله – تعالى-: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}. وقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}. وقال: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.

ثانياً: رضا الله عن المشفوع؛ كما قال -عز وجل-: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}. وقال: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} .

ثالثاً: هذه الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد، فالكفار محرومون من الشفاعة، فمن كان ولاؤه لغير الله ورسوله والمؤمنين فهو محروم منها، ومن كان من جند الباطل يسعى في نصرة الشر، أو صاحب عقيدة باطلة فهو محروم لقوله -تعالى-:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}.

 وفي الحديث الصحيح:"أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" 5.

وقد جمعت شروط الشفاعة في قوله الله: { وكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} .

أسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا شفاعة نبينا محمد، وأن يسقينا شربة هنيئة مريئة من حوضه لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يوفقنا إلى النظر إلى وجهه الكريم، إنه جواد كريم بر رحيم .

آمين اللهم آمين.


1 – رواه البخاري ومسلم.

2 – رواه مسلم.

3 – رواه مسلم.

4 – رواه مسلم.

5 – رواه البخاري.