الوقت أنفاس

الوقت أنفاس

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، أما بعد:

فهذه كلمات ابعثها من قلبي إلى قلوب إخواني في الله داعياً الله بأن يهدينا الصراط المستقيم، الذي ينور به قلوبنا وقلوب المسلمين جميعاً.

كلمات أبعثها إلى الشباب عامة، والى من ضيعوا أوقاتهم خاصة فيما لا فائدة، كلمات ابعثها لعل القلوب ترق، ولعل العيون تبكى، فهيا بنا نوقظ النائمين، ونقول لهم مالكم هكذا غافلون؟ قوموا فاسلكوا دأب الصالحين، وابكوا بالقلوب قبل العيون، على زمان الغفلة المحزون.

إلى كل من سهر أمام التلفاز، لمشاهدة المسلسلات والأفلام، والفاتنات من الفتيات المتبرجات، إلى كل أخ إلى كل أخت.

أقول لكل منهما، انتبه من غفلتك هذه فهي عليك دمار لم تدركها اليوم ولكن ستدركها غداًَ.

إن الوقت فيه العبر، الوقت فيه العظات، فيه تحصيل الأعمال الصالحة فيا أيها الغافلون : {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (20) سورة الحديد.

إن رأس المسلم في هذه الدنيا وقت قصير، وأنفاس محدودة، وأيام معدودة، فمن استثمر هذه اللحظات والساعات في الخير فطوبى له، ومن أضاعها وفرط فيها فقد خسر زمناً لا يعود إليه أبداً، وفى هذا العصر الذي تفشى فيه العجز، وظهر فيه الميل إلى الدعة والراحة، جدب في الطاعة، وقحط في العبادة، وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة، ونلاحظ في زمننا هذا الجهل بقيمة الوقت والتفريط فيه، أصبح الوقت زمناً للدعة، والكسل، ماتت فيه الهمم، وخارت فيه العزائم، تمر الساعات والأيام ولا يحسب لها حساب، بل إن هناك من ينادي صاحبه لكي يقضى وقت فراغ!!.

أخي هل لدى المؤمن وقت فراغ؟

قال تعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}  سورة العصر.

أقسم الله تعالى بالعصر وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأعمال والأرباح للمؤمنين، وزمن الشقاء للمعرضين، ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين.

ولبيان أهمية الوقت نجد أن المولى تعالى أقسم في مطالع عديدة منها:- {وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ*وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (1-4) سورة الفجر. وغيرها من الآيات.

قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسال عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه..) الحديث.1

وأكد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).2

 ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يدرك فيه قيمته، وقدره، ولكن بعد فوات الأوان! {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (19) سورة ق.

ويذكر القرآن موقفين يندم فيهما الإنسان على ما فرط وقصر:

الأول:- ساعة الاحتضار حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو منح من الزمن آخر إلى أجل قريب؛ ليصلح ما أفسده ويدرك ما فاته. كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} (99-100) سورة المؤمنون.

الثاني:- الآخرة حيث توفى كل نفس ما عملت، وتجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النارِ النار حيث يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف ليعملوا صالحاً. {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (27) سورة الأنعام.

اللهم احفظ لنا أوقاتنا لنصرفها في طاعاتك وعبادتك، يا أرحم الراحمين3.


1 رواه الطبراني، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب صحيح لغيره (3593).

2 رواه الحاكم في المستدرك (7846)قال  الذهبي قي التلخيص : على شرط البخاري ومسلم.

3 مصدر الكلمة:http://saaid.net/rasael/248.htm  بتصرف