وجوب غض البصر

وجوب غض البصر

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: ) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ( 1. ومن هذه النعم نعمة عزيزة القدر، جليلة المنافع، بها يميز الإنسان بين الجيد والرديء، والحسن والقبيح، وعليها يثاب ويعاقب؛ إنها نعمة النظر ؛ ولذلك قال الله – تعالى – : ) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2 . وقال تعالى:  )أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ( 3. وقال تعالى: ) وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (4 .

إن هاتين العينين نعمة من الله  – سبحانه وتعالى -، ولذلك فإن النعمة محتاجة إلى شكر المنعم بها علينا، قال تعالى: ) لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ( 5 . وشكر الله في العينين بأن تستعمل فيما يرضي الله تعالى، فلا ينظر بها إلا إلى ما يرضي الله، بل  إنه يكفها ويمنعها من النظر إلى ما حرم الله من النساء والمردان، وذلك عبر وسائل الإعلام الفاسدة المفسدة، أو النظر المباشر في الأسواق والطرقات وغيرها، قال تعالى: ) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ( 6 .

ولذلك فقد أوجب الله على الإنسان أن يغض بصره عمّا حرم الله، وأخبر بأنه إذا غض بصره فإنه يكسب المنافع والفوائد الجليلة، ويجنب نفسه العواقب الوخيمة المترتبة على من أطلق لنظره العنان، ولذلك فقد أوجب الله غض البصر في آيات وأحاديث كثيرة منها، قال الله – تعالى-:) قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ( 7 . وقال تعالى: ) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ( 8 .

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن نظر الفجاءة فامرني أن أصرف بصري 9.

وعن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: " إياكم والجلوس في الطرقات؟" قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه "، قالوا: وما حقه؟ قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" 10 .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا أدرك ذلك لا محالة: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناهما البطش، والرجل زناهما الخطى، والقلب يهوي ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " 11 .

والله عز وجل لم يحرم شيئاً إلا لمصلحة العباد، إما عاجلاً وآجلاً،  ولحكمة قد نعلمها وقد لا نعلمها، ولذلك أوجب غض البصر، وحرم إطلاق  العنان له، وذلك لفوائد عديدة منها:

1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته، قال الأصمعي: رأيت جارية في الطواف وكأنها مهاة، فجعلت أنظر إليها، واملأ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟ قلت: وما عليك من النظر؟ فأنشئت تقول:

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً            لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ

   رأيت الذي لا كلـه أنت قـادرٌ        عليه ولا عن بعضه أنت صابر

2-   أنه يورث القلب نوراً وإشرافاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح.

3-   أنه يورثُ صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته.

4-   أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب.

5-  أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة.

6-  أنه يورث القلب سروراً وفرحة، وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر.

7-  أنه يخلص القلب من أسر الشهوة.

8-  أنه يسد عنه باباً من أبواب جنهم، فإن النظر بابُ الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل.

9-  أنه يقوي عقله ويزيده ويتيه.

10- أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة 12.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.


1 سورة إبراهيم(34).

2 – سورة الإنسان(2).

3 – سورة البلد(8).

4 – سورة الملك(23).

5 – سورة إبراهيم(7).

6 – سورة الإسراء(36).

7 – سورة النــور(30).

8 – سورة النــور(31).

9 – روا ه مسلم.

10 – رواه البخاري ومسلم.

11 – رواه البخاري ومسلم .

12 انظر روضة المحبين لابن القيم صـ (96 – 105).