الإمام قدوة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،، أما بعد:
فإمامة الناس في الصلاة معناها أن يكون الإمام قدوة للناس في أفعال الصلاة، فيفعلون مثل فعله، وهذا معنى القدوة بأن يفعل التابعون كما يفعل المتبوع.. وفي هذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا..).
فينبغي للإمام الإتيان بالصلاة كما ينبغي؛ لأن الناس وراءه يفعلون مثل فعله غالباً.
وإذا كان الإمام قدوة للناس في صلاتهم فهو كذلك قدوة لهم في الأمور الأخرى.. وعلى هذا.. فإنه ينبغي اختيار الإمام المتعلم الذي يخشى الله ويراقب تصرفات نفسه؛ لأن الناس يعتبرونه قدوة لهم، فإذا صدر منه خطأ ولو كان بسيطاً ضخمه أهل الزيغ ومن في قلوبهم مرض، أو بعض الجهال من العوام، وجعلوه حديث الساعة وإحدى الطامات الكبرى، وطمسوا على الخيرات من أفعاله..
وكم من أئمة من مساجد قد شوهوا سمعة الدعوة والدين بسبب أفعالهم الخاطئة التي لا ترضي الله -تعالى-، فيكون ذلك فتنة للناس وصداً لهم عن اتباع الحق.. وقد كان من دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا..} (5) سورة الممتحنة.
والمقصود أن يتحرز الإمام عن كثير من الشبهات، وأن يحمل نفسه على العزيمة ويترك التعذر بالرخص التي تنبئ في بعض الأحيان عن هزيمة في النفس.. وعليه أن يظهر بمظهر الهيبة والوقار؛ لأن الناس وخاصة العوام منهم ينظرون إليه نظر إكبار وإعظام واحترام، فإذا رأوا منه تصرفاً خاطئاً نزل من أعينهم، ونقص من قدره عندهم..
ومن أخطر ما يقع فيه كثير من الأئمة والخطباء: أنه يأمر الناس بالخير وقل أن يفعله، وينهاهم عن الشر ويقع فيه، وهذا مع ما فيه من سواء التدبير وقلة التوفيق ونقص المنزلة في قلوب الناس فإنه مذموم عند الله -عز وجل- كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2-3) سورة الصف. بل لقد توعد الله الذين يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وينهون عن الشر ويفعلونه بالنار، بل إن فاعل ذلك يعترف بسوء تصرفه وهو في نار جهنم، كما ثبت في حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلاناً ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه).1
وجاء في رواية مسلم (فتندلق أقتاب بطنه)، ومعنى (أقتاب): جمع قتب وهي الأمعاء والأحشاء، ومع تندلق: أي تخرج من بطنه، (برحاه) هي حجر الطاحون التي يدور حولها الحمار لأجل الطحن.
نسأل الله السلامة والنجاة من عذابه.
والمطلوب من الأئمة والخطباء والواعظين أن يكونوا أول الفاعلين لما يأمرون الناس به، وأول المنتهين عما ينهون الناس عنه، حتى يسلموا من العقوبة في الآخرة، والذم في الدنيا..
ولا ننسى الأثر الوارد عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان إذا أراد أن يخطب الناس على أمر ذهب إلى أهله فأمرهم به، ونهاهم عما يريد نهي الناس عنه.. حتى لا يقول الناس: عجبٌ! كيف ينهانا عن شيء وهو واقع فيه وأسرته؟ وكيف يأمرنا بأمور لا يفعلها هو ولا أهل بيته!.. وما أكثر الآثار في محاسبة السلف الصالح -رحمهم الله- أنفسهم على هذا الأمر!.
فلنتقي الله معشر الأئمة والخطباء وكل من تصدر لإرشاد الناس، وينبغي أن نجعل الحديث السابق نصب أعيننا دائماً.. فإنه والله ما تذكره مؤمن بالله خائف من عقابه، إلا حمله على فعل الأفعال الحميدة، وترك الأفعال السيئة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1– رواه البخاري ومسلم.