المسجد أعظم مؤسسة أمنية

المسجد أعظم مؤسسة أمنية

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، أما بعد:

فإن الأمن أمنان: أمن داخلي: يضفي لصاحبه الطمأنينة والسكينة والاستقرار، فلا يحس في داخله بما يقلقه ويزعجه، وهذا النوع من الامن لايوجده إلا الإيمان {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}1، وهذا الإيمان لايوجد إلا بكثرة التردد إلى المساجد (( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان))2، وأما الامن الثاني: فهو أمن ظاهري مادي: منطلقه الامن الداخلي إلا أنه يجعل صاحبه يتعامل مع من حوله في الكون معاملة ظاهرة طبيعية فلارهبة ولا خوف ولا وجل؛ لاعتقاده أن ما سوى الله عز وجل لايملكون له ضراً ولانفعاً ولاموتا ولا حياة ولا نشورا، فلا يخاف إلا الله، ولا يخشى إلا الله، يخاف أن يكون فرط في حقه، أو اعتدى على أحد من خلقه، ويخشاه من أن ينزل به عقوبته إن خالف، أو قصر، وهذا النوع من الامن لايتحقق إلا لأهل المساجد كما قال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار}3.

ومما يدل على أهمية المسجد في تحقيق الأمن والأمان، أن الله – سبحانه وتعالى – جعله لمجتمع المسلمين داخلياً مؤسسة أمن يطلبون فيه الأمن والأمان، ودفع الخطر عن أنفسهم، لاسيما عندما تنزل بهم نازلة، أو تجثم عليهم كارثة، أو تصيبهم مصيبة، أويعمهم بلاء، لاتراهم إلا فزعين إلى المسجد بحثاً عن الأمن الذي لايوجد إلا فيه، ولاينطلق إلامنه، ولايعثرعليه إلافي أكنافه، وأكبر دليل على هذا أن المسلمين في النوازل الكونية، والابتلاءات الإلهية، يلجئون إلى المساجد، فيجأرون إلى ربهم بالدعاء، ويكثرون من الابتهال لله، والتذلل له، والإخلاص، والأعمال الصالحة، حتى ينكشف عنهم العذاب، ويدفع عنهم البلاء، من ذلك:

أولاً: صلاة الاستسقاء: إذا امتنعت السماء أن تمطر والأرض أن تنبت، وأجدبت الديار، وذبلت الأشجار، وانتهت الآمال وتقطعت الحبال لجأ الناس إلى الله بما شرعه لهم نبيه – صلى الله عليه وسلم – من صلاة الاستسقاء التي تصلى أحياناً في الصحراء وأحياناً في المسجد، وبالصلاة تارة وبالدعاء تارة وبهما جميعاً تارة، وقد بوب الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه بابا بعنوان " باب الاستسقاء في المسجد الجامع" وذكر حديث أنس – رضي الله عنه – 4.

ثانياً: صلاتي الكسوف والخسوف: هذا التغير الكوني المخيف، الذي يعتبرمظهرمن مظاهر يوم القيامة ومجيئها، يحجب الله نور الشمس والقمر ليري العباد شديد غضبه وانتقامه، وعندما يشاهد ذلك العباد حينهاترتعد الفرائص، وترتجف الافئدة، فلايبقى لهم ملاذ غير الله، ولاملجأ غير بيته، فيفزعون إلى المساجد للصلاة وذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار؛ حتى يكشف الله ما بالمؤمنين من غم قاتل، وهمِّ جاثم.

ثالثاً:  إذا اشتدت الظلمة، وهبت الريح العاصف، شرع الفزع إلى الله – تعالى – والإسراع إلى المساجد؛ حتى لاتكون الظلمة والريح عذاباً مرسلاًمن عند الله هذه الأمة، كما أرسلت على أمم سابقة، كذبوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمركل جبار عنيد5.

رابعاً: عند حدوث الزلازل، ونزول الآيات الكونية، يفزع المسلمون إلى الصلاة في المسجد حتى ينكشف ما بهم 6.

وبعد هذا كله أفلا يكون المسجد ملاذاً للهاربين، ومأمناً للخائفين، وملجأً للمستضعفين، ومأوى للمساكين، حتى قيل في المثل الشعبي " بيت الله أولى بالمساكين" .

اللهم وفقنا لكل خير، وادفع عنا كل ضير.

والحمد لله رب العالمين.


1 – الأنعام:82.

2 – أخرجه أحمد والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه – أنظر كنز العمال (ج 7- ص 65).

3 – النور 34- 35.

4 – صحيح البخاري ( ج 2 – ص 34).

5 – راجع جامع الأصول ( ج 6 – ص 190) وحياة الصحابة ( ج3- ص 101- 102).

6 – راجع مصنف عبد الرزاق ( ج 3- 101- 102).