جمال الأخلاق
الحمد لله الأحد الصمد الذي لم يَلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، والصلاة والسلام على محمد عبده المجتبى، ورسوله المصطفى، أرسله إلى كافة الورى بشيراً ونذيراً، وعلى أهل بيته أئمة الهدى ومصابيح الدجى. أما بعد:
إن المسلم لا يعرف حسن الأخلاق الإسلامية وجمالها إلا إذا رجع قليلاً إلى الوراء؛ لكي ينظر إلى أخلاق الأمم السابقة، فيرى ما كانت عليه من فساد الأخلاق، فيزداد يقيناً بمحاسن الأخلاق الإسلامية وجمالها. فهذه قبيلة عاد كانت في قصور فخمة وشامخة، وبساتين نضرة، وعيون جارية، كانوا عمالقة، أشداء أقوياء، زادهم الله تعالى بسطة في الجسم، تهتز الأرض تحت أقدامهم وهم سائرون، فلما فسدت أخلاقهم حبس الله عنهم المطر ثلاث سنوات، وهبت عليهم الريح العقيم، فسلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، وصارت أجسادهم كأنها أعجاز نخل خاوية.
وهؤلاء قوم لوط كانوا في نعمة ورخا؛ فلما فسدت أخلاقهم، وعملوا اللواط، أرسل الله عليهم حاصباً، ويدل على ذلك ما قالوه لنبي الله لوط-عليه السلام-ومن معه:{أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}(لأعراف: من الآية82)مما يدل على أن أخلاقهم فسدت، إذ إن المتطهر لا زالت أخلاقه حسنة وجميلة، وهكذا بقية الأمم إذا تتبع الإنسان سبب هلاكهم يجد أن فساد الأخلاق هو من أهم الأسباب التي بسببها أهلكهم الله، ولذلك يقول الشاعر في هذا:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت | فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
ثم إن سعادة الأمم هي في أخلاقها الحسنة والجميلة، فقد قال أحد الغربيين: “إن سعادة الأمم ليست في كثرة أموالها، ولا بقوة استحكاماتها، ولا بجمال مبانيها، وإنما سعادتها بأبنائها الذين تثقفت عقولهم، وبرجالها الذين حسنت تربيتهم، واستنارت بصائرهم، واستقامت أخلاقهم، ففي هؤلاء سعادتها الحقة، وهؤلاء هم قوتها الرئيسية، وعظمتها الجوهرية”(1).
أما إذا نظرنا إلى ديننا الإسلامي الحنيف، نجد أنه ربط الأخلاق والقيم الإنسانية بمبادئه ارتباطاً وثيقاً، فنجده واضحاً في قول الرسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(إنمابعث لأتتم صالح الأخلاق)، وكما يدلنا على مدى رفعتها عند الله-تعالى-ذلك الثناء الإلهي على الرسولﷺ إذ يقول الله له:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4). ومن هنا نجد أن أركان الإسلام مهذبة لهذه النفس الإنسانية، كما أنها العروة الوثقى لصلة الإنسان بخالقه، وأداء حقه، فالصلاة يقول الله فيها:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(العنكبوت:من الآية45).والزكاة تطهر النفس من رذيلة البخل، وتنمي فضائلها، ومشاعرها الإنسانية، قال الله-تعالى-:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}التوبة: من الآية103. والتزكية هي التنمية؛لأنها تنمي الفضائل. وفي الصيام قال ﷺ : (إذاكان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب) وكذلك الحج قال الله:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}(البقرة: من الآية197). فكهذا يتجلى للناظر في هذا الدين كيف أنه جاء ليحمي الإنسان من فساد الأخلاق، ومساوئ الآفات، بواسطة العبادة التي تحدد المعاملة مع الخالق والخلق.
عباد الله: إن الأخلاق لا تكون حسنة وجميلة، إلا إذا كان منبعها من العقيدة الصافية النقية،التي هي منبع الأخلاق، إذ أن جمال الأخلاق ينبع من عقيدة سليمة صافية، ولهذا يقوللا الدكتور محمد البهي: ” الأخلاق الإسلامية وليدة العقيدة الإسلامية النقية المشرقة المؤثرة، كما أنها أثر من آثار العبادة الحقة، والعبودية الصادقة لله وحده”(2).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين،،،