كـذبة إبريـل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فإن الكذب من مساوئ الأخلاق، وبالتحذير منه جاءت الشرائع، وعلى قبحه اتفقت الفطر السليمة..
والصدق أحد أركان بقاء العالم، وهو أصل المحمودات، وركن النبوات، ونتيجة التقوى، ولولاه لبطلت أحكام الشرائع. والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية(1).
وفي شرعنا الحنيف جاء التحذير منه في الكتاب والسنة، وعلى تحريمه وقع الإجماع، وكان للكاذب عاقبة غير حميدة إن في الدنيا وإن في الآخرة.
ولم يأت في الشرع جواز الكذب إلا في أمور معينة لا يترتب عليها أكل حقوق، ولا سفك دماء، ولا طعن في أعراض.. إلخ.
بل هذه المواضع فيها إنقاذ للنفس أو إصلاح بين اثنين، أو إدخال مودة بين زوجين.
ولم يأت في الشريعة يوم أو لحظة يجوز أن يكذب فيها المرء ويخبر فيها بما يشاء من الأقوال.
ومما انتشر بين عامة الناس اليوم ما يسمى ب"كذبة نيسان" أو "كذبة إبريل" وهي زعمهم أن اليوم الأول من الشهر الرابع الشمسي – نيسان- يجوز فيه الكذب من غير ضابط شرعي(2).
وقد ترتب على هذا الفعل مفاسد كثيرة – يأتي ذكر بعضها-.
حقيقة الخدعة:
الكثير من المسلمين يحتفل بما يسمونه كذبة إبريل والترجمة الحرفية لها خدعة إبريل، ولكن كم منا يعرف الحقيقة المرة وراء ذلك!!.
عندما كان المسلمون يحكمون أسبانيا قبل حوالي ألف سنة كان أو كانوا في ذلك الوقت قوة لا يمكن تحطيمها، وكان النصارى الغربيون يتمنون أن يقضوا على الإسلام من العالم، ولقد نجحوا إلى حد ما. ولقد حاولوا الحد من امتداد الإسلام في أسبانيا والقضاء عليه ولم يفلحوا، حاولوا مرات عديدة ولم ينجحوا أبداً.
بعد ذلك أرسل الكفار جواسيسهم إلى أسبانيا ليدرسوا ويكتشفوا سر قوة المسلمين التي لا تهزم، فوجدوا أن الالتزام بالتقوى هو السبب.
المسلمون في أسبانيا لم يكونوا مجرد مسلمين بلا اسم، بل كانوا يطبقون تعاليم الإسلام.
عندما اكتشف النصارى من قوة المسلمين بدؤوا التفكير في إستراتيجية تكسر تلك القوة، وبناءً عليه بدؤوا بإرسال الخمور والملهيات إلى أسبانيا مجاناً.
هذه التسلية (الطريقة) من الغرب أعطت نتائجها، وبدأ الإيمان يضعف عند المسلمين خاصة في جيل الشباب بأسبانيا.
وكانت نتيجة ذلك أن النصارى الغربيين الكاثوليك سموا الإسلام وأخضعوا كل أسبانيا تحت سيطرتهم منهين بذلك حكم المسلمين لذلك البلد الذي دام أكثر من ثمانمائة سنة.
سقط آخر حصن للمسلمين وهو غرناطة في أول إبريل!. ومن تلك السنة إلى الآن وفي كل سنة يحتفلون بما يسمونه بمعنى خدعة إبريل (April fool) وهم باحتفالهم بذلك اليوم يعتبرون المسلمين حمقى!!. فهم لا يجعلون الحماقة وسهولة المخادعة في جيش غرناطة فقط، بل في جميع الأمة الإسلامية.
إخواني وأخواتي: عندما نحضر هذه الاحتفالات فإنه نوع من الجهل، ولو علمنا بسبب الاحتفال لما أمكن أن نحتفل بهزيمتنا أبداً.
وبعد أن عرفنا الحقيقة دعونا نقطع وعداً على أنفسنا بأن لا نحتفل بذلك اليوم.
يجب علينا أن نتعلم دروساً من الأسبان، ونصبح مطبقين حقيقة الإسلام، ولا نسمح لإيماننا بأن يضعف أبداً(3)
وهذه الكذبة أو الوهم أو الخديعة محرمة؛ لأنها تدخل في باب الكذب، وقد قال الله في تحريم الكذب: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } (105) سورة النحل.
قال ابن كثير: ثم أخبر – تعالى- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس بمغتر ولا كذاب؛ لأنه إنما يفتري الكذب على الله وعلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – شرار الخلق الذين لا يؤمنون بآيات الله من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس، والرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – كان أصدق الناس، وأبرهم وأكملهم علماً وعملاً وإيماناً ويقيناً، معروفاً بالصدق في قومه لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يدعى بينهم إلا (بالأمين محمد) ولهذا سأل (هرقل) ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان فيما قال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا، فقال هرقل: فما كان ليدع الكذب على الناس ويذهب فيكذب على الله – عز وجل -. (تفسير ابن كثير) (2/588).
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" رواه البخاري (33) ومسلم (59).
وقد يتعذر البعض أنه حين يكذب في أول أبريل أن ذلك من باب المزاح، ويظن أن ذلك جائز ما دام مازحاً غير جاد، وهذا خطأ فاحش، فإنه لا يجوز الكذب في أول إبريل ولا في غيره من الأيام جاداً ولا مازحاً؛ فعن ابن عمر قال: قال – صلى الله عليه وسلم -: "إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً" رواه الطبراني في المعجم الكبير (12/391). الحديث حسنه الهيثمي في مجمع الزوائد 8/89، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله – في صحيح الجامع (2494).
وعن أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا، قال: "إني لا أقول إلا حقاً" رواه الترمذي (1990). قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. ونحوه عند الطبراني في الأوسط 8/305 وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد(4).
فليتق الله كل مسلم، ولنترك الجهالة وضحك الكفار علينا.. ولنبتعد عن الكذب والغباء والحماقة…
والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.