سارة الزوجة المؤمنة

 

 

سارة الزوجة المؤمنة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها الإخوة: ماذا تعرفون عن سارة زوجة إبراهيم  ؟

إن الكثير منا لا يعرف عنها شيئاً بل لا يعلم ما اسم زوجة إبراهيم عليه السلام، وإذا عرف لا يعرف إلا شيئاً يسيراً. ونحن اليوم نقف مع هذه المرأة المؤمنة ونرى قصتها مع نبي الله إبراهيم  .

لقد ذكر قصتها الإمام البخاري ومسلم والبزار وغيرهم، وسنكتفي بإيراد القصة من صحيح الإمام البخاري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات: ثنتين منهما في ذات الله -عز وجل-، قوله: (إني سقيم)، وقوله: (بل فعلهم كبيرهم هذا)، وقال: بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن هاهنا رجلاً مع امرأة من أحسن الناس. فأرسل إليه فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي. فأتى سارة قال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني. فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت الله فأُطلق. ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق. فدعا بعض حجبته فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان؛ إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيم؟ قالت: رد الله كيد الكفار – أو الفاجر- في نحره، وأخدم هاجر. قال أبو هريرة: تلك أمكم يا بني ماء السماء)(1).

أيها الإخوة: لقد تزوج نبي الله إبراهيم بامرأة هي من أحسن وأجمل النساء، ثم لقد سافر بها وأثناء سفرهم دخلوا بلاد يحكمها جبار من الجبابرة الظلمة الذي لا هم لهم إلا أنفسهم، وشهواتهم فلما دخلا أرضه رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون إلا لك فأرسل الجبار إلى إبراهيم يسأله عن هذه المرأة، فلما أحس إبراهيم عليه السلام أن الملك سيطلبها منه أوصاها بأن لا تخبره بأنها زوجته بل هي أخته، وقد قيل: إنه كان من دين الملك أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج. وإبراهيم عليه السلام أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، وذلك أن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة، لكن إن علم أنها أخته كف عن ذلك. ولهذا اضطر إبراهيم إلى تلك الكذبة.

وقد قال إبراهيم: ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، والمراد أرض الجبار وليس كل الأرض وإلا فقد كان مؤمناً في ذلك الوقت لوط عليه السلام.

فلما دخلت سارة على ذلك الجبار لجأت إلى الله تعالى أن يخلصها من كيده وصدقت في الدعاء فنجاها الله تعالى منه، فكلما قرب منها وأراد أن يتناول يدها صرع صرعة شديدة، وفي رواية (فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي)،ولكنه عاد مرة أخرى فلجأت إلى الله مرة أخرى فنجاها الله تعالى، فعندما رأى الجبار ذلك منها لم يستطع إلا أن يخاف ويخشى على نفسه، ثم أعطاها امرأة تخدمها هدية منه.

فعادت إلى نبي الله إبراهيم فسألها، مهيم؟: أي ما الخبر؟ فأخبرته بما حدث، وأن الله رد كيد الظالم في نحره فلم يستطع أن يمسها بسوء.

قال أبو هريرة عن هاجر: تلك أمكم يا بني ماء السماء، وكأنه خاطب بذلك العرب لكثرة ملازمتهم للفلوات التي بها مواقع القطر لأجل رعي دوابهم، وفي ذلك تمسك لمن زعم أن العرب كلهم من ولد إسماعيل.

ويستفاد من الحديث عدة أمور: أولاً: مشروعية أخوة الإسلام، فعندما قال إبراهيم عن سارة بأنها أخته قيل أراد بذلك إخوة الإسلام.

ثانياً فيه: إباحة المعاريض وقت الضرورة.ثالثاً:فيه الرخصة في الانقياد للظالم والغاصب.رابعاً:قبول صلة وهدية الملك الظالم، وقبول هدية المشرك.خامساً: إجابة الدعاء بإخلاص النية كما استجاب الله لسارة الزوجة المؤمنة. سادساً:كفاية الرب سبحانه لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح(2) والحمد لله رب العالمين.


1– البخاري مع الفتح برقم (3358).

2– انظر فتح الباري لابن حجر (6/354-454).