الصلاة بين السواري

الصلاة بين السواري

 

الصلاة بين السواري

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الصلاة بين السواري مسألة تكلم عليها العلماء، فقالوا: يجوز للإمام والمنفرد الصلاة بين السواري، ويكره ذلك للمؤتم لما فيها من قطع الصف، إلا لضرورة، لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما دخل الكعبة صلى بين الساريتين)1.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طرداً)2.

وعن معاوية بن قرة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: (كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونطرد عنها طرداً)3

وعن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدُفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: (كنا نتقي هذا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)4.

واختلف السلف في الصلاة بين السواري فكرهه أنس بن مالك لورود النهي بذلك رواه الحاكم وصححه، وقال ابن مسعود: "لا تصفوا بين الأساطين وأتموا الصفوف"، وأجازه الحسن وابن سيرين، وكان سعيد بن جبير، وإبراهيم التيمي، وسويد بن غفلة، يؤمون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين، وقال مالك في "المدونة": "لا بأس بالصلاة بينهما لضيق المسجد". وقال ابن حبيب: "ليس النهي عن تقطيع الصفوف إذ ضاق المسجد، وإنما نهى عنه إذا كان المسجد واسعاً"5.

وقد بوب البخاري في "صحيحه" باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، قال الحافظ ابن حجر: (قوله: "باب الصلاة بين السواري في غير جماعه" إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب، وقال الرافعي في "شرح المسند": احتج البخاري بهذا الحديث -أي حديث بن عمر عن بلال- على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وأشار إلى أن الأولى للمنفرد أن يصلي إلى السارية، ومع هذه الأولوية فلا كراهة في الوقوف بينهما أي للمنفرد، وأما في الجماعة فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى السارية انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لورود النهي الخاص عن الصلاة بين السواري؛ كما رواه الحاكم من حديث أنس بإسناد صحيح، وهو في السنن الثلاثة وحسنه الترمذي، قال المحب الطبري: "كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف، أو لأنه موضع النعال". انتهى. وقال القرطبي: "روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين")6.

وقال ابن قدامة -رحمه الله-: (ولا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين؛ لأنها تقطع صفوفهم، وكرهه ابن مسعود والنخعي وروي عن حذيفة وابن عباس، ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر؛ لأنه لا دليل على المنع منه.

ولنا ما روي عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: "كنا ننهي أن نصف بين السواري على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونطرد عنها طرداً". رواه ابن ماجه. ولأنها تقطع الصف، فإن كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين لم يكره؛ لأنه لا ينقطع بها)7.

وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن حكم الصلاة بين الأعمدة والسواري، فأجاب: (إذا كان لحاجة فلا بأس، وإن لم يكن لحاجة فإنه مكروه؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتقون ذلك)8.

وسئل كذلك عن حكم قطع الصف بأعمدة المسجد إذا كان مزدحماً بالمصلين؟ فأجاب بقوله: (لا ريب أن الأفضل في الصفوف أن تكون متراصة غير متباعدة, هذا هو السنة.

وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتراص, وسد الخلل. وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يتقون الصفوف بين السواري -أي بين الأعمدة- لما في ذلك من فصل الصف عن بعض. ولكن إذا دعت الحاجة إليه كما في السؤال بأن يكون المسجد مزدحماً بالمصلين, فإنه لا حرج في هذه الحال أن يصطفوا بين الأعمدة؛ لأن الأمور العارضة لها أحكام خاصة, وللضرورات والحاجات أحكام تليق بها)9.

نسأل الله أن يوفقنا للكل خير، يصرف عنا كل شر، وصلى  الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.


 


1 – متفق عليه.

2 – رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، الحاكم وصححه، وقال الألباني: "إسناده حسن" (3/29) رقم (1567).

3 – رواه ابن ماجه، وقال الألباني: "حسن صحيح" (821).

4 – رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/131) رقم (625).

5 – عمدة القاري (4/286).

6 – الفتح (1/578).

7 – المغني (2/47).

8 – مجموع فتاوى ورسائل ابن العثيمين السؤال رقم (389).

9 – مجموع فتاوى ورسائل ابن العثيمين السؤال رقم (1063).