محبة النبي دوافع ومقتضيات

 

محبة النبي دوافع ومقتضيات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد أرسل الله – عز وجل – الرسل لهداية الناس وإرشادهم إلى ربهم، وليخرجهم من الظلمات إلى النور، حتى كان آخرهم نبينا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم -، فهو الرحمة المهداة، وحجة على العباد أجمعين، أرسله الله – عز وجل – على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فهدى الله به إلى أقوم الطرق، وأوضح السبل {وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}1، حقاً هو رحمة  فقد بلغ من رحمته بأمته أنه بعد أن أوحى إليه ربه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}2 قام إلى قومه يدعوهم إلى الله – تبارك وتعالى -، وينذرهم، فلم يزل   قائماً بأمر ربه ومولاه لا يرده عن ذلك راد، داعياً إلى الله لا يصده عنه صاد، يبلغ دين الله ورسالته لا يخشى فيه لومة لائم، أوذي في الله أبلغ الأذى في نفسه، وماله، وأهله، وأصحابه،كذبه قومه، وعابوه، وسفهوا رأيه، وضللوه، وحاولوا قتله، وسجنه، أخرجوه من بلده طريداً سليباً، ثم قاتلوه وحاربوه فكسروا رباعيته، وشجوا رأسه، وأدموا وجهه؛ فكان من رحمته أن قال لمَلَكِ الجبال حين قال له: ((يا محمد: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً))3، فتحمل في سبيل تبليغ دين الله، وهداية عباد الله؛ صنوف المشاق، وألوان الأذى.

لهذا كله كان من أهم حقوقه  على الناس حبه   محبة قلبية صادقة، فهو الذي أنقذنا الله به من النار، وهدانا به من الضلالة، فمحبته   علامة على الإيمان فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه – قال: قال النبي  : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين))4 فلا إيمان لمن لا يحب الرسول  .

وواجب على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحب النبي محبة يتجلى فيها إيثار النبي   على كل محبوب من نفس، ووالد، وولد، والناس أجمعين، وأن يمتثل هذا الحديث، ويجعله نبراس حياته، فمحبته   من أعظم واجبات الدين، وهي فرع من محبة الله – تعالى -، وتابعة لها.

وإن لمحبة الرسول   أسباب، وعلامات، ومقتضيات نتكلم عنهافي الآتي:

أولاً: أسباب ودوافع محبة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -:

لمحبة الرسول   أسباب عدة منها:

1. أن محبته  من علامات الإيمان وسبب من أسباب حلاوته فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: عن النبي  قال: ((ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))5.

2. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فالرسول  هو الذي أنقذ الله به الأمة من النار، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فلا يقابل هذا إلا بالحب،ولا يقابل بغيره، وهنا نتذكر نعمة الله – عز وجل – علينا أن الهداية التي أرادهاالله – عز وجل -لم تأت للأمة إلا عن طريقه  .

3. أن الله بعثه لاستصلاح أحوال الناس وأوضاعهم، ونقلهم إلى أكمل كل شيء، ولو تأملنا ما جاء به النبي   من الحفاظ على الدماء والأموال؛ دون النظر إلى جنة أو نار؛ لكان اتباعه فلاح في الدنيا والآخرة، وسبب لسعادة البشرية أجمع، ولهذا نحب هذا النبي .

فهذه هي أهم الأسباب التي تدفع المسلم لحب الرسول  ،وتحمِّل كل إنسان ذا عقل ولب على المحبة الخالصة للرسول  ، الحب الذي يقدَّمه به على النفس، والمال، والولد، والناس أجمعين، وهذا الحب هو الذي يجعل المسلم كامل الإيمان كما قال  : ((لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))6، وهو ليس كلمة تقال، ولا شعار يعلق، بل هو نبراس حياة، وقول يتبعه عمل، ولهذا فإن لهذا الحب مقتضيات منها:

1. تحقيق الشهادة له – صلى الله عليه وآله وسلم – فهي الجزء الثاني من الركن الأول من أركان الإسلام، وهذا يقتضي أمرين هما:

§ الشهادة له   بالرسالة، وأنه الرسول من الله – عز وجل -للناس أجمعين.

§ طاعته فيما أمر، واجتناب كل ما نهى عنه وزجر، وتصديقه في كل ما أخبر به، وعبادة الله – عز وجل – وفق ما شرع  : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }7.

2. حب النبي   الحقيقي يعني اتباعه  دون غلو، أو ابتداع، أو تنطع قال رسول الله  : ((هلك المتنطعون قالها ثلاثاً))8.

3. الاقتداء به   ظاهراً وباطناً في الأعمال والأقوال والاعتقاد: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}9، وهذا الاقتداء من لوازم محبته   وعلاماته.

4. السمع بلا تردد، والطاعة بلا انحراف للتوجيهات والأوامر التي جاءتنا منه   {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}10.

5. حب النبي   بلا غلو أو إطراء زائد عن ما جاء به النبي   فعن عمر – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي   يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم،فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله))11.

6. تحكيم الشريعة التي جاء بها في كل شيء في الحياة {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، و{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، و{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}12، وهذا من أعظم لوازم محبته  ، فلا يقدم قول أحد ولا رأيه،ولا اجتهاده ولا نظره، ولا حكمه؛ على قول النبي وحكمه يقول الله – تبارك وتعالى – في هذا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}13.

7. وجوب الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من الشرك والمشركين، وهو من لوازم المحبة، وعملاً بقول الله – عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}14، وغيرها من الآيات.

8. حبه   حباً يفوق حب النفس والأبناء، بلا غلو ولا إطراء((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين))15، و((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله))16.

9. الصلاة والسلام عليه  ، فمن لوازم محبته ،وهذا الأمر العظيم قد جاء تفصيله في الشرع الحنيف، بالصيغ الشرعية الواردة في الأحاديث الصحيحة، فالصلاة والسلام على رسول الله   قربة، وذكر، ونافلة، وعبادة من أعظم العبادات وأجلِّها.

10. عدم أذيته  ، إذ مما يجب أن يُعلم أن من لوازم محبته   عدم أذيته، فأي قول فيه نوع من التحقير أو التقليل للنبي  ، أو الحط من قيمته، أو الأذية له، أو لسنته؛ فإنه من عمل المنافقين، وهذا النفاق هو نفاق أكبر – نسأل الله العفو والعافية -، وما من قلب ينعقد على شيء من بغض النبي  ، أو كراهيته، ويكون صاحبه مؤمناً قط، فإن من آذاه في زوجاته أو في صحابته فكأنما آذاه في نفسه وشخصه  ، وهذا مما هو معلوم من جميع المسلمين – ولله الحمد -، وإنما أحببنا أن ننبه فيه لأهميته.

ثمار محبة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -:

ولمحبة الرسول   ثمار كثيرة يجنيها العبد في حياته فبل مماته، وتظهر هذه الثمار يانعة ناضجة في حياة العبد، فمن ثمار محبة الرسول  :

1. الحياة الطيبة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}17، ولا حياة طيبة بغير حب الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وأتباعه.

2. قوة الإيمان، فكلما ازداد حب النبي   في القلب ازداد إيمان العبد، وقد تقدم حديث النبي   الذي يحدد فيه أنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحبه .

3. صلاح قلب العبد، فإن الإنسان إذا صلح قلبه بمحبة النبي   تأثر بذلك، فإذا وقرت المحبة في القلب صلح صلاحاً كاملاً، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله   يقول: ((الحلال بين والحرام بين …إلى أن قال: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))18، ولن يصلح بغير محبة النبي  ، وإذا صلح القلب صلحت جوارح العبد، فإذا تحقق الحب الحقيقي في القلب تأثرت الجوارح لأن المحب لمن يحب مطيع.

4. العمل بسنة النبي   وهديه، والتأسي به في كل شيء صغير وكبير، فمن سكنت محبة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – قلبه؛ اتبعه في كل أموره وفق سنته وهديه  .

5. الاستجابة لله وللرسول – صلى الله عليه وسلم – وكل ما جاء عنه، وهذا من أهم الثمار التي يجنيها العبد من حبه للرسول  .

6. مجاهدة النفس في تطبيق سنة النبي  ، والسعي لتطبيقها في الحياة، وجعلها شعاره في حياته كلها.

7. الدعوة للدين الذي جاء به  ، ونشره بين الناس، وبيانه للأمة.

8. تقديم محبته على كل ما سواه من المحبوبات التي في حياة الفرد، وهنا يتحقق قول النبي : ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين))19، وهذا من أقوى علامات الإيمان به   التي تظهر على العبد.

9. الاستقامة والثبات على دينه، وهذا من لوازم المحبة، إذ كيف يعقل أن يحب النبي  ، وهو لا يعمل بدينه، أو يناقضه بقول، أو فعل، أو اعتقاد.

فهذه بعض ثمار محبة الرسول   التي يجنيها العبد في حياته، وما أجمل هذه الثمار، وما أطيبها.

نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا إلى كل خير إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


 


1 سورة الأنبياء (107).

2 سورة المدثر (1-2).

3 البخاري (3231).

4 البخاري (15).

5 البخاري (16).

6 البخاري (15).

7 سورة آل عمران (31).

8 مسلم (6955).

9 سورة الأحزاب (21).

10 سورة الأحزاب (36).

11 البخاري (3445).

12 سورة المائدة (44-47).

13 سورة النساء (65).

14 سورة المائدة (51).

15 البخاري (15).

16 البخاري (3445).

17 سورة النحل (97).

18 البخاري (52)، ومسلم (4178).

19 البخاري (15).