رسالة ملوك اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم

 

 

رسالة ملوك اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، ووفق من شاء هدايته إلى دينه تكريماً منه وتسديداً، وأفضل الصلاة والسلام على الصادق الأمين والناصح المبين، والسراج المنير، البشير النذير، الداعي إلى سبيل ربه تبشيراً منه وتهديداً، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه ما دامت السماوات والأرض وسلم تسليماً مزيداً، أما بعد:

فإن الله تعالى أرسل نبينه محمد على حين فترة من الرسل، فأخرج به الناس من الظلمات إلى النور ومن الكفر إلى الإيمان، واستجاب لدعوته فئام وأمم من الناس لا يحصون كثرة، وما إن مرت على الناس فترة قصيرة في الدعوة والتبليغ والجهاد في سبيل الله تعالى إلى ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وكان ممن استجاب لأمر الله ورسوله وانصاع لشرع الله وتوحيده أهل اليمن الذين مدحهم النبي ﷺ  وأثنى عليهم أيما ثناء، فقال فيما قال من أمرهم مخاطباً أصحابه المهاجرين والأنصار: (أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ)1.

لقد قدم وفد ملوك اليمن على النبي   وهو في المدينة المشرفة سنة تسع من الهجرة في شهر رمضان. كما ذكر الواقدي.

قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله كتاب ملوك حمير ورسلهم بإسلامهم مقدمه من تبوك وهم: الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال،والنعمان قيل2 ذي رعين، ومعافر، وهمدان، وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ومفارقتهم الشرك وأهله، فكتب إليهم رسول الله  : “بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان، قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد ذلكم: فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، فإنه قد وقع نبأ رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم به، وخبرنا ما قبلكم،

وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله، وسهم النبي   وصفيه، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء، وعلى ما سقى الغرب3 نصف العشر، وأن في الإبل في الأربعين ابنة لبون، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر،وفي كل خمس من الإبل شاة، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي كل أربعين من البقر بقرة،وفي كل ثلاثين تبيع، جذع أو جذعة.

وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، وإنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، وله ذمة الله وذمة رسوله، وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم، وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يرد عنها، وعليه الجزية على كل حالم ذكر وأنثى، حر أو عبد دينار واف، من قيمة المعافري أو عوضه ثياباً.فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعاً“.

وقد روى الحافظ البيهقي في دلائل النبوة حديث كتاب النبي   إلى عمرو بن حزم: عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله   عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره فيه أمره، فكتب: “بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” عهدا من رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره: بتقوى الله في أمره كله، فإن الله مع الذين اتقوه والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ بالحق، كما أمره الله، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم به،ويعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين، وأن ينهى الناس فلا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر، وأن يخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم، ويلين لهم في الحق ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله حرم الظلم ونهى عنه فقال: (ألا لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله)، وأن يبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس النار وعملها، ويستأنف الناس حتى يتفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج، وسننه وفرائضه، وما أمره الله به والحج الأكبر الحج، والحج الأصغر العمرة: وأن ينهى الناس أن يصلي الرجل في ثوب واحد صغير إلا أن يكون واسعاً فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي بفرجه إلى السماء، ولا ينقض شعر رأسه إذا عفى في قفاه، وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعو إلى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى العشائر والقبائل فليعطفوا فيه بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له، ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، وأن يمسحوا رؤوسهم كما أمرهم الله عز وجل، وأمروا بالصلاة لوقتها وإتمام الركوع والسجود، وأن يغلس بالصبح، وأن يهجر بالهاجرة حتى تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مبدرة، والمغرب حين يقبل الليل لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل، وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليه وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار فيما سقى المغل وفيما سقت السماء العشر، وما سقى الغرب فنصف العشر، وفي كل عشر من الإبل شاتان، وفي عشرين أربع شياه وفي أربعين من البقر بقرة وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد فهو خير له، ومن أسلم من يهودي أو نصراني إسلاما خالصا من نفسه فدان دين الإسلام فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته، فإنه لا يغير عنها وعلى كل حالم ذكر وأنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه من الثياب، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله ورسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين جميعا، صلوات الله على محمد، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته”.4

هذا ما جاء في وفد أهل اليمن ورسالة رسول الله   إليهم يعلمهم فيها أحكام الدين.

وقد عرف هذا الكتاب الذي كتبه النبي   إلى أهل اليمن بكتاب عمرو بن حزم. وفيه مسائل عظيمة وجليلة في فرائض الإسلام وسننه، ولهذا اعتمد عليه العلماء في بناء كثير من الأحكام القواعد الشرعية، وخاصة في جانب الديات والصدقات.

نسأل الله التوفيق لما يحبه ويرضاه.


1 رواه البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

2 قيل: لقب، وهو الملك الذي دون الملك الأكبر، والجمع أقيال.

3 أي الدلاء، جمع دلو.

4 البداية والنهاية لابن كثير، (5/88 وما بعدها).