من قال هذه الكلمات

 

 

من قال هذه الكلمات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يقول الله – عز وجل -: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}1، وهذه السنوات المذكورة في هذه الآية الكريمة هي سنوات الدعوة فقط، ولابد أن نوحاً مكث قبلها سنوات قبل أن يوحى إليه، وسنوات بعدها قبل أن يتوفى كما ذكر كثير من المفسرين أنه عاش سنين طويلة2 بعد الطوفان، وبذلك يتضح أن أعمار الأمم السابقة كانت طويلة حتى إنه ليصل عمر بعضهم إلى أكثر من الألف عام، ولا شك أن المؤمنين من تلك الأمم كانوا متمكنين من تكثير أعمالهم الصالحة؛ بسبب طول أعمارهم، فهم بذلك أكثر منا أعمالاً نسبة لأعمارهم.

أما هذه الأمة فيتحدث الرسول الكريم   عن أعمارها قائلاً: ((أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك))3 لكن من عدل الله – سبحانه – ورحمته بالأمة المحمدية أن عوَّضها عن ذلك فجعل لها في بعض الأقوال والأعمال القليلة أجوراً عظيمة، بل إن بعضها لا يعلم ثوابه إلا الله -عز وجل -، وكل هذا {فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}4، وهي أعمال سهلة ميسرة، وكلمات قليلة، فإذا ما مات الإنسان وانقطع عن هذه الحياة؛جرَى له أجرها إلى يوم القيامة مصداقاً لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله   قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))5.

ولو تأمل المتأمل فيما ورد عن النبي   من فضائل بعض الأقوال والأعمال لوجدها سهلة يسيرة بسيطة لا تأخذ من مؤديها جهداً، ولا وقتاً كبيراً، ومن هذه النصوص:

ماصحَّ عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – عن النبي   قال: ((قل هو الله أحد يعدل ثلث القرآن))6.

وصح أيضاً عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله  يقول: ((من سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه))7، “وهذا الحديث لا يعارض قوله  : ((يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا مضغة -وفيه: فيكتب رزقه وأجله)) قال المهلب: اختلف العلماء في وجه الجمع بينهما على قولين: فقيل: معنى البسط في رزقه هو البركة؛ لأن صلته أقاربه صدقة، والصدقة تُربى المال، وتزيد فيه، فينمو بها ويزكو، والقول الثاني: أنه يجوز أن يكتب في بطن أمه أنه إن وصل رحمه فإن رزقه وأجله كذا، وإن لم يصل رحمه فكذا، بدلالة قوله – تعالى – في قصة نوح:  {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد أجلاً قد قضى به لكم إن أطعتم يؤخركم إليه، لأن أجل الله إذا جاء في حال معصيتكم لا يؤخر عنكم”8.

وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((من قرأ آية الكرسي دُبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت))9.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي   قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده))10.

وعن أوس بن أوس الثقفي – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله   يقول: ((من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها))11.

وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قال  : ((من قال في دبر صلاة الغداة: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيء قدير” مئة مرة وهو ثان رجليه؛ كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال))12، وفي رواية أخرى عنه   قال: ((من قال: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” بعدما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله – عز وجل – له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكنَّ له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل، فإن قالها حين يمسي كان له مثل ذلك، وكن له حجاباً من الشيطان حتى يصبح))13.

وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – أن رسول الله   قال: ((من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر كان له كأجر الحاج المحرم، ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين))14.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي  : ((من قال: “اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة العرش والسماوات ومن فيهن، والأرضين ومن فيهن، وأشهد جميع خلقك؛ بأنك الله لا إله إلا أنت، وأكفر من أبي ذلك من الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك” من قالها مرة عتق ثلثه من النار، ومن قالها مرتين عتق ثلثاه من النار، ومن قالها ثلاثاً عتق من النار))15.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: حدثنا سلمان الفارسي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((من قال: “اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك، وأشهد من في السموات ومن في الأرض؛ أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك” من قالها مرة أعتق الله ثلثه من النار، ومن قالها مرتين أعتق الله ثلثيه من النار، ومن قالها ثلاثاً أعتق كله من النار))16.

وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – عن رسول الله   أنه قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضينا بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً؛ غفر له ذنبه))17.

وعن أبي عمر بن مرة قال: سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي   قال: سمعت أبي قال: حدثني جدي أنه سمع النبي   يقول: ((من قال: “أستغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه” غفر له وإن كان فر من الزحف))18.

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((من قال: “أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه” ثلاثاً؛ غفرت له ذنوبه وإن كان فاراً من الزحف))19.

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله  : ((من قال في السوق: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير” كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتاً في الجنة))20.

وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((من قال: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الساعة حق، والجنة والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور” فتحت له ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء))21.

وعن حذيفة – رضي الله عنه – قال: أسندت النبي   إلى صدري فقال: ((من قال: “لا إله إلا الله” – قال حسن: “ابتغاء وجه الله” -؛ ختم له بها؛ دخل الجنة، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة))22.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي  : ((من قال إذا أمسى ثلاث مرات: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”؛ لم تضره حمة تلك الليلة))23.

وعن جابر – رضي الله عنه -: عن النبي   قال: ((من قال: “سبحان الله العظيم وبحمده” غرست له نخلة في الجنة))24.

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((من قال: “بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله” فيقال حينئذ: “كفيت، ووقيت”، وتنحى عنه الشيطان))25.

وعن عتبان بن مالك – رضي الله عنه – وهو من أصحاب النبي   ممن شهد بدراً قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قد حرم على النار من قال: “لا إله إلا الله” يبتغى بذلك وجه الله))26.

عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  : ((من قال حين يسمع النداء: “اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة؛ آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد” إلا حلت له شفاعتي))27.

وعن سعد بن أبى وقاص – رضي الله عنه -: عن رسول الله   قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: “وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً” غفر له))28.

وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله  : ((من قال: “اللهم ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وعلى عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من كل ما صنعت، وأبوء بذنبي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” فمات من يومه وليلته دخل الجنة))29.

هذه جملة من الأقوال التي ثبتت عن النبي   مما يترتب عليه أجور عظيمة تعود بالنفع على العبد نفسه أولاً، وتدخل تحت وصية الرسول   للأعرابيين كما جاء عن عبد الله بن بسر – رضي الله عنه – قال: ((جاء أعرابيان إلى رسول الله   فقال أحدهما: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله، وقال الآخر: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فمرني بأمر أتثبت به؟ فقال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله – عز وجل –))30، وهو في الوقت نفسه ممتثل لأمر الله – عز وجل – الذي يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}31، ويدخل تحت قوله – تبارك وتعالى -: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}32.

نسأل الله – عز وجل – أن يجعلنا من الذاكرين له، الشاكرين له، وأن يهدينا سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 سورة العنكبوت (14).

2 تفسير الطبري (20/17).

3 الترمذي (3550)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (5/331).

4 سورة الحجرات (8).

5 مسلم (3084).

6 البخاري (4726)، ومسلم (1922).

7 البخاري (2067)، ومسلم (6687).

8 شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/206) بتصرف يسير.

9 النسائي (9928)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير (11410).

10 البخاري (5927)، ومسلم (4860).

11 أبو داود (345)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (373).

12 الطبراني في المعجم الأوسط (7200)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2664).

13 معجم ابن المقرئ (490)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (113).

14 أحمد (22304)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه برقم (22358): حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.

15 الترمذي (3423)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/534).

16 المعجم الكبير للطبراني (6/220) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/534).

17 مسلم (579).

18 الترمذي (3501)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (8/ 77).

19 المستدرك (1/692)، (1884)، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (8/77).

20 سنن الترمذي (5/491)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/429).

21 المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم (1/122).

22 مسند أحمد (38/350)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/238).

23 مسند أحمد (13/274)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/158).

24 سنن الترمذي (3464)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/464).

25 الترمذي (3348)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (7/426).

26 البخاري (407)، ومسلم (1052).

27 البخاري (579).

28 رواه مسلم (579).

29 المستدرك (1896)، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

30 أحمد (17037)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/95).

31 سورة البقرة (152).

32 سورة الرعد (28).