حكم قطع النافلة عند الإقامة
الحمد لله حمدا حمدا، والشكر له شكرا شكرا، خلق الخلق فأحصاهم عددا، وأمدهم بما عنده من الخير مددا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، من جاء بالنور والهدى أما بعد:
فإن الإنسان إذا شرع في النافلة ثم أقيمت الصلاة ولم يتم صلاته، فهل يقطع النافلة ويدخل مع الإمام، أم يتمها ثم يدرك الجماعة بعد ذلك؟
اتفق الفقهاء على انه إذا خشي فوات الجماعة وجب عليه قطع النافلة1 واختلفوا فيما إذا لم يخش فوات الجماعة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: انه يجب إتمام النافلة بعد الشروع فيها ويحرم قطعها، وهو قول الحنفية ورواية للحنابلة2.
ودليلهم: قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}3، وقطع النافلة إبطال لها فيكون داخل في النهي 4، فنوقش هذا بأن المراد إبطال ثواب العمل المفروض، فأما ماكان نفلاً فلا لأنه ليس واجباً عليه5، فرد على هذا بأن اللفظ عام، فيشمل إبطال العمل وثوابه فرضاً ونفلاً.
القول الثاني:أنه يجب إتمام النافلة ولا يجوز قطعها، إلا إذا خاف فوات الركعة الأولى مع الإمام، فحينئذ يقطعها ويدخل مع الإمام، وهو قول المالكية6.
دليلهم: دليل أصحاب القول الأول فنوقش بما نوقش به الأول، وأضيف كيف يقطعها والنوافل تلزم بالشروع فيه7، فأجيب عنه بأنه قد ثبت في السنة جواز قطع النافلة بعد الشروع فيها، كما ورد في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: فقلنا: يارسول الله أهدي لنا حيس فقال: (( أرنيه فلقد أصبحت صائماً)) فأكل8.
القول الثالث: أنه يجوز إتمام النافلة ويجوز قطعها، وهو قو ل الشافعية والحنابلة وقال الحنابلة إن أتمها فيتمها خفيفة9.
ودليلهم: على جواز الإتمام ، أ، الجمع فيه فضيلتين: فضيلة النافلة، وفضيلة الجماعة، وأما جواز قطع النافلة فبما يلي:
1- أ، الفعل تطوع والتطوع يقتضي تخيير10.
2- أن مايدركه من الجماعة أعظم أجراً وأكثر ثواباً من النافلة11.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو القول الثالث وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المعارضة في مقابل الأدلة الأخرى، وان الايه مخصصة بالحديث، كما أن حديث عائشة في قطع النبي – صلى الله عليه وسلم- صومه نص صريح في جواز قطع النوافل.
إلا أن قطع النافلة أولى من إتمامها؛ لان قطعها في هذه الحالة فيه تحصيل لفضيلة إدراك ثواب تكبيرة الإحرام، وهي لاتحصل إلا بشهودها مع الإمام12.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
والحمد لله رب العالمين.
1 – بدائع الصنائع ( ج 2ص271) المدونة ( ج1ص250) المغني ( ج2 ص119) .
2 – بدائع الصنائع (ج2ص271) المغني (ج2ص119).
3 – محمد:33.
4 – أحكام القران للقرطبي ( ج16ص216).
5 – المرجع السابق.
6 – المدونة ( ج1ص250-251).
7 – أحكام القرآن للجصاص (ج2ص272).
8 – رواه مسلم برقم ( 1154).
9 – المغني (ج2ص119).
10 – أحكام القران للكيا الهراسي (ج4ص 375).
11 – المغني ( ج2ص119).
12 – بدائع الصنائع (ج2ص272).