الفتح على الإمام

الفتح على الإمام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه مجموعة من الأحكام والآداب لمن يريد أن يفتح على إمامه في الصلاة، جمعت ورتبت للحاجة إليها، وخاصة أن كثيراً من الأئمة والمأمومين قد يعرض صلاته للبطلان بمخالفة هذه الأحكام، والخروج عن هذه الآداب، وهذه الآداب هي:

1) الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز الفتح على الإمام إذا نسي آية لما رواه الإمام أحمد، وأبو داود – رحمهما الله – أن النبي صلى فترك آية، فقال له رجل: يا رسول الله آيةُ كذا وكذا؟ قال: فهلا ذكرتنيها؟1، ولما رواه أبو داود أيضاً عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فتلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟2، وقد روى البيهقي عن أنس  قوله: “كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله 3، وروى البيهقي عن علي بن أبي طالب  قال: “إذا استطعمك الإمام فأطعمه”4 يعني الفتح عليه، وقد جاء عن عدد من الصحابة  والتابعين استحباب الفتح على الإمام.

2) يجب أن تكون نية من يفتح على الإمام تذكيره إذا نسي، أو تصحيح ما أخطأ فيه، وأما إن نوى القراءة فإن صلاته تبطل! لقوله : لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم هَذّا يا رسول الله! قال: لا تفعلوا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها5. 3) ولا يجوز المبادرة بالفتح على الإمام إذا سكت، إلا إذا علم أن سكوته من أجل نسيان، وأما إذا سكت عند آية رحمة ليدعو، أو آية عذاب ليدعو؛ فإنه لا يبادر، وكذلك إذا سكت لالتقاط نفسه، أو لاستحضار ذهنه؛ فإنه لا يبادر بالفتح، ولذلك قال علماء الحنفية: “ينبغي للمأموم ألا يعجل الإمام بالفتح”6، وكذلك قد يكون سكوت الإمام من أجل نخامة، أو جفاف حلق، أو انقطاع نفس؛ فالواجب إمهاله، وعدم مبادرته.

4) ولا يجوز لمن يصحح آية يرى أن الإمام أخطأ فيها أن يبادر بتصحيحها إلا إذا كان على ثقة من حفظه، ومخالفة الإمام للصواب؛ فإن القرآن معظمه متشابه في اللفظ، وقد يأتي التشابه في آية بكاملها كقوله تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سورة البقرة:134) و(سورة البقرة:141)، وكقوله تعالى: فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (سورة الرحمن:13) تكررت إحدى وثلاثين مرة في السورة نفسها.

وقد يكون باختلاف في بعض الحروف كقوله تعالى: وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (سورة البقرة:48)، وقوله تعالى: وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (سورة البقرة:123)، وقد يكون في التقديم والتأخير كقوله تعالى: وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى (سورة القصص:20)، وقوله تعالى: وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى (سورة يــس:20) … الخ، وكثيراً ما ينبري للرد والتصحيح من لا يكون على علم دقيق بالحرف الصحيح فيفسد على القارئ قراءته، ويتسبب في التشويش والتعويق.

5) ولا يجوز الرد والتصحيح للإمام إذا كان الإمام مجيداً، وعلى علم بالقراءات، فقد يقرأ بقراءة غير ما يحفظه المأموم، كأن يقرأ الإمام بقراءة ورش، والمأموم لا يعلم إلا قراءة حفص مثلاً، وكذلك قد يجمع الإمام بين قراءتين أو أكثر في صلاته؛ فإن هذا جائز ما دام أن القراءة متواترة.

ومعنى هذا أنه لا يجوز لمن يصحح للإمام أن يرد إلا إذا علم يقيناً أن الحرف الذي أخطأ فيه الإمام ليس حرفاً متواتراً، أو علم أن الإمام لا يعرف إلا قراءة واحدة من القراءات المتواترة، وبذلك يكون تجاوزه عنها خطئاً، والدليل على ذلك ما رواه الإمام البخاري بإسناده إلى عمر بن الخطاب  قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله  أقرأنيها، وكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله  فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها، فقال لي: أرسله، ثم قال له: اقرأ فقرأ، قال: هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأقرؤوا منه ما تيسر7، وفي هذا الحديث من الفقه أن الرسول  أقر عمر  على سكوته وقد سمع قراءة مخالفة لما تعلمه، ولم يرد على حكيم بن حزام  حتى انتهى من صلاته، وأن كل حرف من القرآن كان ثابتاً إلى رسول الله  قرئ به، ولا يجوز إنكاره على من قرأ به، ومعلوم أن عثمان  جمع الناس على حرف واحد حتى لا يختلفوا في القرآن، وقد أجمع المسلمون على ذلك، وبقي الاختلاف في القراءة فيما يحتمله رسم المصحف العثماني، ونقل عن النبي  متواتراً.

6) الذي له الحق في الرد على الإمام هو الذي يصلي بجواره، أو الذي يليه من خلف ظهره، وأما من كان في مكان بعيد عن الإمام فانه لا ينبغي له الفتح علي الإمام، وأما إذا أيقن المأموم أن صوته لا يصل إلى الإمام فإنه يحرم عليه الفتح، والرد، وقد تبطل صلاته بذلك.

7) لا يجوز أن يتولى الرد والتصحيح والفتح على الإمام أكثر من واحد في وقت واحد؛ لأن هذا يؤدي إلى اختلاط الأصوات، والتشويش على الإمام والمصلين، ويجب أن يترك الأقل حفظاً وعلماً لمن هو أحفظ منه وأعلم.

8) لا يجوز للمرأة إذا صلت خلف الرجال أن تفتح على الإمام، ولا أن تصحح له، وهذا مما لا خلاف فيه، وذلك أنها منعت من التسبيح تنبيهاً للإمام لئلا يخرج صوتها في الصلاة؛ فمن باب أولى الفتح عليه، والله أعلم.

9) لا يجوز للمأموم أن يحمل مصحفاً لمتابعة الإمام، والتصحيح له؛ وذلك لأنه في صلاة وليس في تعليم وتعلم، ثم أن الحركة بحمل المصحف، وفتحه عند القراءة، وإغلاقه بعد ذلك؛ ينافي عمل الصلاة.

وأما ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ثابت البناني قال: “كان أنس يصلى وغلامه يمسك المصحف خلفه، فإذا تعايا في آية فتح عليه”8، فإنه ليس في هذا الأثر أن غلام أنس كان يصلى معه، وإن ثبت فقد حمله بعض أهل العلم على صلاة النافلة دون الفريضة، والله أعلم.

وكان أنس بن مالك  قد كبر سنه، وعمى، ولعله كان يصلى وحده في منزله، فكان يفعل ذلك حتى يتابع القراءة وهو في الصلاة، وهذا يخالف ما يفعله كثير من الناس اليوم حيث ينشرون مصاحفهم وهم وقوف في الصلاة خلف إمامهم، وهذا أشبه بفعل أهل الكتاب منه بصلاة أهل الإسلام، والله أعلم.

ويجب ابتداءً أن تكون نية من يفتح على الإمام أو يصوب خطأه أنه يفعل ذلك إخلاصاً لله، وتعبداً له، وأما إذا كان يفعله رياءً وسمعة ليرى الناس أنه حافظ؛ فإنه بهذا يحبط أجره، وقد تبطل صلاته تبعاً لذلك9.

نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه داود برقم (772) (ج3 ص83) وأحمد برقم (16096) (ج34 ص29) وحسنه الألباني في تحقيق سنن أبي داود برقم (907).

2 رواه أبو داود برقم (773) (ج3 ص84) وصححه الألباني في تحقيق سنن أبي داود  برقم (907) أيضاً.

3 رواه البيهقي في سننه (ج3 ص212).

4 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (ج1 ص521).

5 رواه أبو داود برقم (701) (ج2 ص484) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (854).

6 فتح القدير (ج2 ص284).

7 رواه البخاري برقم (2241) (ج8 ص266) ومسلم برقم (1354) (ج4 ص254).

8 مصنف ابن أبي شيبة برقم (9) (ج2 ص234). ومعنى تعايا: أي: تلكأ بسبب النسيان.

9 مستفاد من موقع المختار الإسلامي.