إشباع فقراء الحي

إشباع فقراء الحي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فإن الدين قد اعتبر لكل طبقات المجتمع مكانتهم وظروفهم المعيشية، وجاء لحفظ أنفسهم وحاجياتهم الضرورية، وأخذ للفقير ما يرعاه، ويقيم له شؤونه، فحث على القيام بمصالحه ووصى، وحفز الساعين بأجور لا تحصى، وكثيراً ما دعا إلى الإنفاق عليه، وتلبية مطالبه، وإشباع جوعته كما قال – جل في علاه -: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}(سورة الحديد:7)، وقال – جل شأنه – مرغباً في ذلك: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(سورة البقرة:262).

وبين المولى – سبحانه – أن الإنفاق يكون على ذوي الحاجة الأحوج فالأحوج حيث قال: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(سورة البقرة:273) وهذا من رحمة الشارع وحكمته.

بل إن الشارع جعل ركناً من أركان الإسلام قائماً على مصالح الفقراء يؤخذ المال من أغنياء المسلمين، ويرد على فقرائهم، أخذاً بحديث النبي حين أرسل معاذ بن جبل – رضي الله عنه – إلى اليمن قال له: {فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ}1، زاد مسلم: {فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ}2.

ولولا فضل الله ورحمته لاحتكر الغني ماله، وافتقر المسكين إلى اللقمة لا يجد من يسد رمقه، ولكن الله سلَّم، وجعل الناس للناس يرزق بعضهم بعضاً، ويعطي بعضهم بعضاً.

لهذا الأمر، وإحياء لهذه الشعيرة، بل وإحياء لنفوس تعاني ألم الجوع، وتقاسي مرارة العيش، جاءت فكرة إقامة مشروع دائم أو شبيه بالدائم، يسعى في إيصال لقمة العيش إلى كل بيتٍ فقيرٍ، ليكفيه هم المؤنة، ويجنبه ضنك العيش.

صحيح أنه لن يكون المشروع سبباً في غنى أي فقير، وكذلك لا يضمن غناه، ولكنه سيحقق للفقير مصدراً يمنعه من تكفف الناس، وتعصمه من أن يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم.

مكونات المشروع:

يقوم أهل الحي بجمع التبرعات (من الحي، ومن خارج الحي) لصالح المشروع حتى يكون مبلغاً مناسباً، وبعد ذلك يمكن استثمار المبلغ المتوفر في أي مشروع غير مكلف، مع مد يد العون للفقراء، ويكون ريع المشروع لصالح الفقراء في الحي، والأفضل أن يكون المشروع مثمراً ونامياً، وفكرته كالتالي:

حصر الفقراء في الحي، والغالب في أي حي أن الفقراء أقلية وليسوا كثرة مفرطة، وهذا يتيح للمشروع قدراً أكبر من التغطية.

شراء مواد غذائية لكل أسرة فقيرة.

شراء مكائن خياطة لكل أسرة فقيرة، ويكون 50% من ريع كل مكينة لصالح المشروع (هذا كمثال، والمقصود إقامة مشروع استثماري بالمال المتبرع لتنميته).

بذل الإعانة في المناسبات العامة كالأعياد، ورمضان، ومواسم الدراسة.

بذل الإعانة في المناسبات الخاصة كحالات المرض وغيرها.

كفالة كل أسرة بمبلغ مناسب شهرياً.

إلى غير ذلك من الأعمال التي يمكن القيام بها، ويفضل تحفيز فكرة الاستثمار لما جمع من التبرعات في أي مشروع أيًّا كان ولو صغيراً.

نعم المال قد لا يكون كافياً، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.

وإذا قامت الحكومات بمثل هذا الواجب في أنحاء البلاد فلا شك من إحراز النتيجة العامة وهي القضاء على الفقر، المهم حسن إدارة القائمين عليها.

والفتى إن أراد نفع أخيه

فهو أدرى في نفعه كيف يسعى

والحمد لله رب العالمين.


1 صحيح البخاري: (1308).

2 صحيح مسلم: (27).