صفات المشرف الإيمانية والأخلاقية

صفات المشرف الإيمانية والأخلاقية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنَّ من الأركان الأساسية التي يقوم عليها التحفيظ أن يكون هناك مشرف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وهذا المشرف يختلف باختلاف حجم الجمعيات القائمة على تعليم القرآن الكريم، فمن الجمعيات ما هو محلي، ومنها ما هو عالمي، وهذا لا يهمنا معرفته كثيراً، ولكن الذي يهمنا هنا هو: ما هي الصفات والسمات التي ينبغي أن يتصف بها المشرف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم؟

وقبل أن نجيب على السؤال نقدم بمقدمة فنقول: إنَّ المشرف على حلقات القرآن الكريم تقع على عاتقه مهمة كبيرة، ويضطلع بمسؤوليات جسيمة، ويحمل أمانة ثقيلة سيسأل عنها يوم القيامة، فهو في موضع تكليف قبل أن يكون في موضع تشريف، وسأبدأ بذكر صفاته الإيمانية والأخلاقية، وبَدَهيٌّ أن ذكري لهذه الصفات إنما هو للاتصاف بها والتحلي بأحسنها، فمن ذلك:

1. أن يصلح النية ويخلصها لله وحده، لا لجاه، أو مال، أو منصب.

2. أن يبذل وسعه في سبيل العناية بالحلقات، ونشر القرآن بين الناس.

3. أن يقدم القرآن والعمل لأجله على مصالحه الشخصية، واهتماماته الدنيوية عند التعارض، فليس فوق شرف القرآن من شرف، وكفى بالقرآن شرفاً وفخراً.

4. أن يكون ملتزماً بعقيدة أهل السنة والجماعة، متمسكاً بالفرائض والواجبات، ومحافظاً على المندوبات بحسب الاستطاعة، متجنباً للمحرمات، مبتعداً عن المكروهات بقدر الطاقة، سواءٌ ما كان من ذلك بالقول أو الفعل، في الظاهر أو الباطن.

5. أن يكون مراقباً لربه في سره وعلانيته، راجياً لثوابه، خائفاً من عقابه، متأملاً في تصرفاته، محاسباً لنفسه على هفواته وزلاته، حريصاً على ما يصلح دينه، ويسدد نقصه، ويصوب خطأه.

6. أن يعرف قدر نفسه، ولا ينخدع بثناء الناس عليه، ولا يداخله العجب والغُرور بما يرى من أعداد طلبته الغفيرة، وكثرة من أتم حفظ القرآن عليه، وإذا رأى أحداً يضعه في مقام أكبر من حجمه سواءٌ من طلبته أو غيرهم فعليه أن ينبهه إلى ذلك وينهاه.

7. أن يكون متصفاً بالأخلاق الفاضلة، ملتزماً بالسلوكيات الحميدة، مجتنباً لما يناقض ذلك داخل الحلقة أو خارجها.

8. الزهد في الدنيا، والتقلُّلُ منها، وعدم التعلق بمتعها ولذاتها وأهلها مع العلم بأنَّ أخذ ما يحتاج إليه منها للقيام بضروريات الحياة وحاجاتها على الوجه المعتدل من دون تعلق بها؛ ليس منافياً للزهد والقناعة.

9. المحافظة على الوقت، والحرص على ألا تمضي ساعاته إلا بنفع أخرويّ أو دنيوي؛ كقراءة القرآن، وسماعه، والذكر والدعاء، والتهجد، وطلب العلم، والدعوة إلى الله – تعالى -، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكسب الحلال، والقيام بواجبات الأهل والأولاد ومتطلبات المنزل.

10. خدمةُ الناس ومساعدتهم بما يمكنه بلين وتواضع، على ألا يطغى ذلك على مهمته الأولى وهي: التربية والتعليم، مع حرصه ألا يكون في ذلك إهانة له أو هدر لماء وجهه.

11. التنزه عن دنيء المكاسب ورذيلها طبعاً، وعن مكروهها عادة وشرعاً، وأن يجتنب مواضع التهم حتى لا يُعرِّض – بسبب ذلك – نفسه للتهمة، وعرضه للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، ويعرضهم للإثم، فإن اتفق وقوعه في شيء من ذلك لحاجة أو نحوها أخبر من شاهده بعذره وحقيقة فعله كيلا يأثم بسببه، أو ينفر عنه تلميذه – إن كان هو المشاهد له – فلا ينتفع بتدريسه، وله في قوله  : على رسلكما إنما هي صفية أعظم أسوة، وأجل قدوة1. هذه بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المشرف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والله نسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1– انظر فن الإشراف على الحلقات والمؤسسات القرآنية للدكتور يحي عبد الرزاق الغوثاني صـ (234- 235). والحديث أخرجه البخاري، وانظر كذلك المدارس والكتاتيب القرآنية (13) بتصرف.