لتدريس أكثر إبداعاً

 

لتدريس أكثر إبداعاً

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فإن الوسائل والطرق التي تساعد على الإبداع في تعليم القرآن الكريم كثيرة، وليس المهم بيان تلك الوسائل والطرق، ولكن المهم هو تطبيقها وإخراجها إلى حيز الوجود إذاحصلت القناعة بها ضمن الإمكانيات المتاحة، ذلك أنها متيسرة والحمد لله إذا وجدت النوايا الصادقة لأنها تخدم أولاً وآخراً كتاب الله -عز وجل- ومن تلك الوسائل والطرق الإبداعية التي تجعل تدريس القرآن أكثر إبداعاً:

أولاً: توفير المكان المناسب بحيث تتوفر فيه الشروط التي تساعد على استمرار الحلقات، ومن الواقع العملي المشاهد أن بعض الحلقات وخاصة في القرى والهجر تعقد في المسجد في وقت شديد الحر ولا تتوفر فيه وسائل التكييف والتبريد بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي يزود به القرية متعهد لفترات محدودة، فكيف سيكون حال الدارسين ومدرسهم في مثل تلك الظروف؟ فمثل هذا الأمر يعالج في حال توفر النوايا الصادقة عن أهل الخير، فلا يستهان بمثل تلك الثغرات المشاهدة في القرى فمن يدري فلعل الله -عز وجل- يخرج من تلك الحلقات خيرة الحفاظ؟ فإذا وجدت القاعة المتواضعة، ومولد الكهرباء المناسب،وأجهزة تبريد الماء وتكييف الهواء فلا شك أن ذلك سينعكس إيجاباً على مستوى الحلقة ونتائجها.

ثانياً: توفير وتوظيف المدرس الناجح الذي يتمتع بصفات خاصة وتلك الصفات سنوردها بعد قليل،ويتم ذلك عن طريق الدقة في التحري والبحث عن سلوكيات المدرس قبل توظيفه، فلكل شخص أقران وزملاء وجيران وهؤلاء أفضل من يعطي الصورة الصادقة عن سلوكياته، ثم يأتي بعد ذلك دور لجان المقابلات الشخصية والاختبارات، وأهم تلك الصفات الواجب توفرها في مدرس القرآن الكريم المبدع:

1- مخافة الله قبل كل شيء والإخلاص له في العمل؛ فالمدرس هو المسؤول المباشر عن سير الحلقة ومتابعة الطلاب حفظاً ومراجعة وسلوكاً؛ إذ يصعب تواجد الموجهين في كل حلقة في أي وقت فيبقى العبء الأكبر على كاهل المدرس الذي يجب أن يعلم أن الله -عز وجل- يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

2- المظهر اللائق من حيث ارتداء الثوب النظيف من غير ابتذال، ومن حيث اتباع السنة المطهرة في إطلاق اللحية وبشاشة الوجه بما يرضي الله ورسوله، وهذا ما يسمى بالهدي الظاهر.

3- حسن العشرة والتعامل مع جميع الناس في البيئة التي يدرس بها وخاصة إذا وجد في تلك البيئة من المشكلات التي قد تحدث بين الناس ، فهنا يتجنب الانحياز إلى أي فئة بل يجب عليه أن يعمل على بذر المحبة ونزع الشر من بينهم أي يكون واسع الأفق يتحلى بالصفات التي تليق بمعلم القرآن الكريم.

4- التمكن من أحكام تلاوة كتاب الله -عز وجل- وحفظه، وهذا يعتبر من الأساسيات في أي مدرس؛ إذ لا يعقل أن يتم التعاقد مع أي أحد لا يمتلك هذين الشرطين، وبمعنى آخر يجب أن يكون المعلم المبدع مفيداً لغيره مستفيداً من أسلافه وأقرانه.

5- قوة الشخصية؛ فهي أيضاً من عناصر المعلم الناجح المبدع الذي تكون لديه القدرةعلى فرض النظام داخل الحلقة من غير تنفير للطلاب، والمقدرة على تعويد الطلاب على الحضور المبكر وعدم التغيب عنها، والصبر على الحضور امتثالاً لقوله تعالى: {وَاصْبِرْنَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(28) سورة الكهف. فلا بد من أن يكون قوي الشخصية بعيد النظر حتى يتسنى له الإبداع في تعليم كتاب الله عز وجل، ولعل الصفات الخمس المذكورة سالفاً يمكن جمعها في قوله تعالى على لسان ابنة يعقوب –عليه السلام-: {يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}(26) سورة القصص.

ثالثاً: نظام الحوافز والتشجيع؛ لأنه من المعروف أن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها،والله -عز وجل- أعد لعباده المؤمنين جنات النعيم التي وصفها في كتابه الكريم وفي سنة المصطفى   جزاء لما يعملون في الدنيا، ومن هنا فإن طالب التحفيظ يفرح عندما تقدم له هدية تقديراً لصفة أو مجموعة من الصفات التي يتمتع بها،

ولذلك ينبغي اختيار الهدايا والجوائز بناء على خطة مدروسة بحيث تؤتي ثمارها وبالتالي تؤدي إلى الإبداع لدى جميع الطلاب مما يؤدي إلى نتائج أفضل وتخريج حفظةأكثر بعون الله تعالى.

رابعاً: عقد لقاءات مع أولياء الأمور؛ إذ لا شك أن ولي الأمر هو الطرف الرئيس المهم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وعندما يكون القصد هو الإبداع في طرق التدريس فيجب أن لا يغفل دور ولي الأمر في هذا الموضوع، لذلك يجب التخطيط لعقد لقاء موسع مرة على الأقل في كل شهر أو في كل شهرين، بحيث يتم فيه مناقشة مشكلات الأبناء الطلاب مثل الغياب وقلة الحفظ ونسيان ما يحفظ وغيرها من المشكلات، ولا بأس أن يصاحب ذلك اللقاء برامج ترفيهية وترويحية للطلاب يتبعها غداء يسهم به الطلاب أنفسهم وتقديم جوائز حتى لو كانت من إسهامات أولياء الأمور.

خامساً: الاتصال بالمبدعين من الحفاظ والمتعلمين، فلعل الاتصال بالمبدعين في علوم القرآن الكريم وخاصة في حفظه وتلاوته وكذلك بالدارسين الذين تكتشف فيهم عناصر الإبداع من أنجح الوسائل التي تنمي الإبداع عند الطلاب.

سادساً: بث روح المنافسة الأخوية الشريفة بين الطلاب، وهذه بعض الاقتراحات في هذاالمجال:

أ‌- تقديم جائزة قيمة لكل من يتم حفظ جزء من أجزاء القرآن الكريم.

ب‌- إخبار ولي الأمر تباعاً بمستوى ابنه بحيث يداوم على تشجيع ابنه وتكريمه ووعده بالمزيد من الهدايا في حال مداومة ابنه على الحفظ وتميزه في الحلقة.

ج- تكريم أي طالب يتم حفظ جزء أمام زملائه في الحلقة، فيقدم له الحلوى والشراب؛ مما يشجع زملاءه على الحرص في الحفظ والإتقان وبالتالي الإبداع والتميز1.

وفق الله الجميع إلى مرضاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.