إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فقد ندب الإسلام إلى المسارعة في الخيرات فقال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}1 وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}2 وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}3.
والأمور التي ندب الإسلام إلى المسارعة فيها والمسابقة لأجل الأجر كثيرة، ونذكر في هذا المقام أمراً وردت فيه أحاديث وآثار عن السلف الصالح.. ألا وهو فضيلة إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام.
تكبيرة الإحرام هي تحريم الصلاة؛ كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)4 وقد تنافس لأجل ذلك المتنافسون، فكم وردتنا من روايات عن السلف الصالح تبين مسارعتهم في هذا الأجر والثواب؛ حيث كانوا يحرصون أشد الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام ولا يفوتهم ذلك إلا قليلاً، ويدفعهم إلى ذلك قول نبيهم – صلى الله عليه وسلم-: (من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.
بينما نجد كثيراً من الناس اليوم لا يصلون أصلاً! وإذا صلوا لا يصلون في جماعة! وإذا صلوا في جماعة لا يدركون إلا ركعة أو ركعتان، وإذا أدركوا ذلك لا يدركون تكبيرة الإحرام إلا من اصطفاه الله واجتباه لطاعته وهم قليل من قليل..
فيا أيها الناس: ويا من تسمعون هذا الكلام أو تقرؤونه! كم النسبة الشهرية: أو السنوية التي تدركون بها تكبير الإحرام مع الإمام مما لا تدركون ذلك؟! وكم عدد الصلوات اللاتي تدركون فيها تكبيرة الإحرام مما لا تدركونه؟! هل حاسبنا أنفسنا! أم أننا نرضى بالوضع الحالي الذي نحن عليه؟! فإذا كانت النسبة عالية والعدد كبير فاحمد الله، وإذا كان العكس فالله الله بالمسارعة..
أخي الكريم:
ألم يأتك نبأ السلف الصالح عن هذا الأمر الهام؟! يقول أحدهم (إنني منذ أربعين سنة لم تفتني تكبيرة الإحرام) وبعضهم يقول:(لم يؤذن المؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد!!) يا الله! كيف الحال اليوم! أين جماهير الأمة المحمدية في هذه الأيام عن بيوت الله؟! ومن هنا أخي الكريم: تجد السر الخطير في خذلان الأمة وتكالب الأعداء عليها، وضعفها، ومهانتها في هذا الزمن. إن الأمر كل الأمر هو الصلة بالله! إن من قطع حبل الله قطعه الله فلا ناصر له من دون الله.. أنا أتحدث مع المصلي الكريم؟ لكن ماذا أقول لمن ضيع الصلاة أصلاً!! {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (59) سورة مريم.
لا بد أن نوجه هذه الكلمة لكل مصلّ مؤمن بالله، أن يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مهما استطاع وألا تشغله عن ذلك المشاغل الضائعة!
وأوجه كلمة هامة لكل من تهاون بالصلاة – فضلاً عن تكبيرة الإحرام- أين أنت يا أخي من الوعيد الشديد، والعذاب الأكيد لكل جبارٍ عنيد! لمن ترك الصلاة؛ كما قال تعالى: ((فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)).
((فلا صدق ولا صلّى ولكن كذب وتولى..)).
المسارعة إلى الصلاة وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام من سنن الإسلام ومما حث عليه الرسول ولا تقل (هي سنة!) ثم تتركها، فإن الانحدار والسفول يبدأ من نقطة وخطوة؛ ولهذا قالوا: عتبة ترك الأوامر والفرائض ترك السنن، وعتبة انتهاك المحرمات فعل المكروهات وتساهلها.
مسألة: متى تدرك تكبيرة الإحرام:
عرفنا فضل إدراك تكبيرة الإحرام.. ولكن متى يدرك المأموم تكبيرة الإحرام، ومتى تفوته؟ قال النووي: (واختلف أصحابنا – أي الشافعية- فيما يدرك به فضيلة تكبيرة الإحرام على خمسة أوجه: (أصحها): بأن يحضر تكبيرة الإمام، ويشتغل عقبها بعقد صلاته في غير وسوسة ظاهرة، فإن أخر لم يدركها.
والثاني: يدركها مالم يشرع الإمام في الفاتحة فقط.
والثالث: بأن يدرك الركوع في الركعة الأولى.
والرابع: بأن يدرك شيئاً من القيام.
والخامس: إن شغله أمر دنيوي لم يدرك بالركوع، وإن منعه عذر أو سبب للصلاة كالطهارة أدرك به.. قال الغزالي في (البسيط) في الوجه الثالث والرابع: هما فيمن لم يحضر إحرام الإمام فأما من حضر فقد فاته فضيلة التكبيرة، وإن أدرك الركعة، والله أعلم.5
والمشهور أنها تدرك بعد تكبيرة الإمام مباشرة وقبل قراءة الفاتحة؛ وذلك من المسارعة في الخيرات..
فاحرص يا أخي على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام ولا تفتك بقدر الإمكان.. وتذكر دائماً يوم التغابن ويوم الصاخة ويوم الحسرة{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} (56) سورة الزمر.