رفع الصوت في المسجد

رفع الصوت في المسجد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بنيت المساجد لعبادة الله بالمفهوم الشامل للعبادة، ومن ثم فقد حماها الإسلام عن كل ما يخل بذلك الغرض، وكان من مقاصد دين الإسلام تحريم إيذاء الآخرين، ولو كانت تلك الأذية يظنها صاحبها قربة إلى الله، وسنتناول في موضوعنا هذا حكماً مهماً لا بد من بيانه للناس؛ وذلك لما يوجد في بعض المساجد من إيذاء لبعض المصلين، وقد يكون مقصود الإنسان حسناً لكنه يضر بغيره، فعلى سبيل المثال:

رفع الصوت في المسجد:

حينما يدخل المسلم بيتاً من بيوت الله فهو يفعل ذلك ليناجي من يعلم السر وأخفى، ويؤدي ما فرض الله عليه، وهو في هذا الحال لا يجوز له التشويش على أحد لا برفع الصوت بالذكر، ولا بقراءة القرآن، فضلاً عن غير ذلك، ففي الحديث الصحيح أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قال: أن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن1.

وقد يوجد في بعض المساجد قراءة أذكار، وقرآن، وأدعية بصورة جماعية مزعجة لبقية المصلين، فقراءة الأذكار بتلك الكيفية التي ألفها من لا فقه لهم بدين الله؛ مما لا يجوز فعله؛ لأنه لم يرد عن النبي  فعل ذلك، وإنما ورد أنه كان إذا سلم استغفر ربه ثلاثاً فعن ثوبان مولى رسول الله  قال: كان رسول الله  إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر الله ثلاث مرات، ثم قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم يدعو ببقية الأدعية المشروعة عقب الصلاة، وذلك بصوت غير منتظم مع غيره.

وإن الإنسان ليعجب كل العجب حينما يصلي في بعض المساجد؛ فإذا ما سلم إمامهم من الصلاة رفعوا أصواتهم بالذكر الذي قد يكون أصله مشروعاً، وقد لا يكون مشروعاً أصلاً بل هو مما اخترعه أولئك، واستحسنوه بهواهم، فتجدهم يرفعون أصواتهم على نسق واحد، فهم يشبهون أولئك الزراع الذين يرفعون أصواتهم على نسق واحد، ويرددون تلك الأهازيج التي تقال أثناء الزراعة والتجارة، فأي دين هذا؟! فهل هذا هو دين الإسلام الحنيف؟ وهل هكذا كانت عبادة النبي  وأصحابه؟ لا شك ولا ريب أنه لم يكن عبادة النبي  وأصحابه، ومن أدعى ذلك فعليه بالدليل، وأنى له ذلك؟ بل أين الخشوع والسكينة؟ بل ربما بعضهم يتكلف في رفع صوته تكلفاً عجيباً، فتجده يرغب أن يلحق الإمام في صوته، فيشهق ويزفر عند قراءته، ولربما ترك بعض المقاطع من الأذكار من أجل أن يجتمع صوته بصوت الإمام، ومن أجل أن لا يضطرب وتختلف الأصوات بعضها عن بعض!!

فلا إله إلا الله أين هؤلاء من هدي النبي  وسنته؟ وأين هم من قوله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (سورة الأعراف:205)، وقول النبي كما في حديث  أبي موسى  والذي فيه قوله : يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم2 وذلك حينما سمع أناساً يدعون الله، ويرفعون أصواتهم.

وقد صح عن ابن مسعود  أنه سمع قوماً اجتمعوا في مسجد يهللون، ويصلون على النبي  جهراً، فذهب إليهم، وقال: ما عهدنا ذلك على عهد رسول الله ، وما أراكم إلا مبتدعين، فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد، هذا في عصره  فكيف لو رأى عصرنا، وبعض مساجدنا، وما أحدث  الناس فيها، فما عساه أن يقول؟!

وقد يقول البعض من هؤلاء: نحن نجهر بالذكر، والدعاء من أجل تعليم الناس؟ فيقال: علّم الناس الأذكار في غير ذلك الموضع؛ لأنهم إذا ألفوا شيئاً ما فسيكررونه، ويتخذونه عبادة، والشريعة جاءت لسد الذرائع، فكل شيء كان ذريعة إلى شيء محرم حرمته الشريعة، وقد يقال: ومن يضمن أن الناس إذا تعلموا الأذكار تركوا تلك الكيفية لقراءة الأذكار؟!. ولكن ليعلم أن السنة هو رفع الصوت عقب الصلاة بالذكر المشروع كما جاء في حديث ابن عباس  قال: أنه “كان يعلم انقضاء صلاة رسول الله  بالتكبير”3.

ولكن بدون اتحاد الأصوات، فإن هذا هو الممنوع؛ لأنه النبي لم يعمله، ولا الصحابة، وهو ما سبق أن تكلمنا عنه، فتنبه!

وهذا كله في رفع الصوت بالذكر، وأما رفعه بغير الذكر فهو أشد حرمة، فقد حذر النبي  من ذلك فعن عبد الله عن النبي قال: ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإياكم وهيشات الأسواق4 والمقصود بـ هيشات الأسواق: المنازعات، والخلافات، والخصومات، وارتفاع الأصوات.

 وعن السائب بن يزيد  قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب  فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قال: من أنتما – أو من أين أنتما -؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله “؟5

فهذه بعض التنبيهات بأدلتها الشرعية، والله المستعان.


1 رواه أحمد ومالك في الموطأ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1603).

2– رواه البخاري ومسلم.

3– رواه البخاري ومسلم.

4– رواه مسلم.

5– رواه البخاري.