حكم سب الصحابة الكرام

حكم سب الصحابة الكرام

 

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

الصحابة – رضي الله عنهم – هم حملة الدين، وحراس العقيدة، والطعن فيهم هو في الحقيقة طعن في الدين، وطعن في النبي – عليه الصلاة والسلام – لأنه هو المربي.

ولقد ظهرت ظاهرة سب الصحابة – رضوان الله عليهم – وهي لم تكن وليدة اليوم ولا الأمس القريب، وإنما ظهرت على حيز الوجود منذ انتصار الإسلام بمؤازرة ومناصرة أولئك الأخيار الأطهار للنبي – عليه الصلاة والسلام -، وتدمير دول الكفر والإلحاد، وحقيقة الطعن فيهم أنه طعن في النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – حيث أنهم لم يستطيعوا الطعن في النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – صراحة لئلا ينكشف أمرهم، فعمدوا إلى تشويه سيرة أصحابه، وتسويد صحائفهم البيضاء النقية، ووضع المثالب فيهم ليقال أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – رجل سوء، ومن أجل ذلك صاحب أولئك الأشرار على حد زعمهم، وعن الذين يقودون حملة سب الصحابة قديماً وحديثاً فإنما هم أراذل الناس عقلاً وديناً.

ومن المكابرة أن يزعم أولئك الطاعنون في الصحابة أنهم مسلمون مع أنهم يرمون زوجات النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بكبيرة الزنا، وبعض أصحابه المقربين إليه بالشذوذ الجنسي، والزور والبهتان، وأن صحبة الصحابة للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ما هي إلا استتار لتحقيق مأربهم المادية والكيدية به وبدعوته – صلى الله عليه وآله وسلم -.

عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – من القرآن الكريم:

كفى فخراً للصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – أن الله – سبحانه وتعالى – اصطفاهم لصحبة نبيه – عليه الصلاة والسلام -، وأنّ ذكرهم في القرآن الكريم باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يقول الحق – تبارك وتعالى – واصفاً نبيه – عليه الصلاة والسلام – وصحابته الأبرار: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}1، وقال – جل جلاله – مخبراً برضاه عن أولئك السابقين إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وإعداده – تعالى – لهم جنات فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر: {والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}2، وقال الله – تبارك وتعالى -: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }3، وقال – جل وعلا -: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ4}، وقال الله – تعالى -: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}5، وقال الله – تعالى -: {لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}6، وقال – جل جلاله -: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}7، وقوله – تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}8.

عدالة الصحابة – رضي الله عنهم – من السنة:

ثبت في السنة الشريفة في فضلهم وعدالتهم شيء كثير فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((يأتي على الناس زمان، فيغزوا فئام الناس فيقولون لهم: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: لهم نعم فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام الناس، فيقال: فيكم من صاحب أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزوا فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فيقولون: نعم فيفتح لهم9)).

وعن عمران بن حصين – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة)، ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن10))، وعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته))11.

وعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية المنافق بغض الأنصار))12.

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مدَّ أحدهم ولانصفيه))13.

وقد حذّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من ذلك بقوله: ((من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين))14.

وقال – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أنا أتى أصحابي مايوعدون)).15

وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من أحب الانصار أحبه الله، ومن بغض الأنصار أبغضه الله16)).

ومِنْ أحسن مَنْ فصَّل في هذه القضيَّة شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث قال: "فأما من سب أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أهل بيته وغيرهم: فقد أطلق الإمام أحمد أنه يُضْرَب ضرباً نكالاً، وتَوَقَّفَ عن كفره وقتله.

قال أبو طالب: سألت أحمد عمَّن شتم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: القتل أَجْبُنُ عنه، ولكن أضربه ضرباً نكالاً.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أرى أن يُضْرب، قلت له: حَدّاً؟ فلم يقف على الحدِّ؛ إلا أنه قال: يُضرب، وقال: ما أراه على الإسلام17.

واختلف العلماء في هذا، فمشهور مذهب مالك في هذا الاجتهاد والأدب الموجع،  قال مالك رحمه الله في من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل وإن سب أصحابه أدب.

وقال ابن حبيب: قال الإمام مالك في من شتم النبي – صلى الله عليه وسلم -: من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أدب أدباً شديداً، ومن زاد إلى بغض أبي بكر وعمر فالعقوبة عليه أشد، ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت ولا يبلغ به القتل إلا علياً أو عثمان أو غيرهما، قال سحنون: من كذب أحداً من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في سب النبي – صلى الله عليه وسلم – يوجع ضرباً"18، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة وهي رواية عن مالك بن أنس – رحمه الله –19.

بعض أقوال الحنفية:

وقال ابن عابدين – رحمه الله تعالى -: "والحاصل أن الحكم بالكفر على ساب الشيخين أو غيرهما من الصحابة مطلقاً قول ضعيف لا ينبغي الإفتاء به، ولا التعويل عليه كما حققه سيدي الوالد – رحمه الله تعالى – في كتابه تنبيه الولاة والحكام، فراجعه وقال فيه أيضاً: وأما قتل العلماء والأولياء وسبهم فليس بكفر إلا إذا كان على وجه الاستحلال أو الاستخفاف، فقاتل عثمان وعلي – رضي الله تعالى عنهما – لم يقل بكفره أحد من العلماء إلا الخوارج في الأول، والروافض في الثاني،… وأما من سب أحداً من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد أنه مباح، أو يترتب عليه ثواب كما عليه بعض الشيعة، فإذا سب أحداً منهم فينظر فإن كان معه قرائن حالية على ما تقدم من الكفريات فكافر، وإلا ففاسق"20، وقال أيضاً: بأن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو كافر، وإن كان يفضل علياً عليهما فهو مبتدع، وهذا لا يستلزم عدم قبول التوبة على أن الحكم عليه بالكفر مشكل لما في الاختيار اتفق الأئمة على تضليل أهل البدع أجمع، وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفراً لكن يضلل …إلخ، ومما يزيد ذلك وضوحاً ما صرحوا به في كتبهم متوناً وشروحاً من قولهم: ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف، وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وقال ابن ملك في شرح الجمع: وترد شهادة من يظهر سب السلف لأنه يكون ظاهر الفسق، وتقبل من أهل الأهواء الجبر والقدر، والرفض والخوارج، والتشبيه والتعطيل"21.

وقال السبكي – رحمه الله -: "قسم الرافضة إلى كفار وغيرهم، وذكر الخلاف في بعض طوائفهم وفيمن أنكر إمامة أبي بكر وعمر أن الصحيح أنه يكفر، ولا شك أن إنكار الإمامة دون السب، ورأيت في المحيط من كتب الحنفية: عن محمد: لا تجوز الصلاة خلف الرافضة، ثم قال: لأنهم أنكروا خلافة أبي بكر وقد أجمعت الصحابة على خلافته، وفي الخلاصة من كتبهم في الأصل ثم قال: وإن أنكر خلافة الصديق فهو كافر، وفي تتمة الفتاوى: والرافضي الغالي الذي ينكر خلافة أبي بكر يعني لا تجوز الصلاة خلفه، وفي الغاية للسروجي – رحمه الله -، وفي المرغيناني: وتكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة، ولا تجوز خلف الرافضي، ثم قال: وحاصله إن كان هوى يكفر به لا تجوز، وإلا تجوز وتكره؛ وفي شرح المختار لابن بلدجي من الحنفية: وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفراً لكن يضلل، فإن علياً – رضي الله عنه – لم يكفر شاتمه حتى لم يقتله، وفي الفتاوى البديعية من كتب الحنفية: من أنكر إمامة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – فهو كافر، وقال بعضهم: هو مبتدع والصحيح أنه كافر"22.

وقال التقي السبكي – رحمه الله -: "وهكذا إذا سب واحداً من الصحابة حيث هو صحابي لأن ذلك؛ فلا شك في كفر الساب، وعلى هذا ينبغي أن استخفاف بحق الصحبة ففيه تعرض إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يحمل قول الطحاوي، وبغضهم كفر، فإن بغض الصحابة بجملتهم لا شك أنه كفر"23، وقال أيضاً: "ولا شك أنه لو أبغض واحداً منهما أي أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما – لأجل صحبته فهو كفر، بل من دونهما في الصحبة إذا أبغضه لصحبته كان كافراً قطعاً"24.

وهناك بعض ما روي عن السلف في أجناس العقوبات والحدود التي أوجبوها وأقاموها على من سب الصحابة نقلاً من شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي، حيث قال – رحمه الله -: "روي عن عمر أنه جلد ثلاثين سوطاً من خرج على أم سلمة، وأن ابنه عبيد الله شتم المقداد فهمَّ عمر بقطع لسانه، فكلمه أصحاب محمد فقال: ذروني أقطع لسان ابني حتى لا يجترئ أحد من بعدي فيسب أحداً من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأن ابن عبد الرحمن بن أبزى سأل أباه عبد الرحمن فيمن سب أبا بكر ما كنت تصنع به؟ قال: كنت أضرب عنقه! قلت: فعمر؟ قال: أضرب عنقه، وأن علياً بلغه أن ابن السوداء تنقص أبا بكر وعمر، فدعا به وبالسيف فهمَّ بقتله، فكلم فيه فقال: لا يساكني بلداً أنا فيه، فنفاه إلى الشام، وانتقل حريم بن عبد الله، وحنظلة، وعدي بن حاتم من الكوفة إلى قرقيسيا، وقالوا: لا نقيم ببلدة يشتم فيها عثمان، ومن التابعين عن عمر بن عبد العزيز ضرب من شتم عثمان ثلاثين سوطاً، وعن عاصم الأحول وكان محتسباً لخلفاء بني العباس أنه ضرب من شتم عثمان سبعين سوطاً في دفعات، وضرب عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – من سب معاوية أسواطاً، وعن أحمد بن حنبل: يضرب، وما أراه على الإسلام، وعن إبراهيم النخعي كان يقال: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر، وعن أبي إسحاق السبيعي: شتم أبي بكر وعمر من الكبائر التي قال الله – عز وجل -: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه … الآية}، وقال زائدة لمنصور بن المعتمر: اليوم الذي أصوم فيه أقع في الأمراء؟ قال: لا، قلت: فمن يتناول أبا بكر وعمر، قال: نعم، وعن طلحة بن مصرف قال: كان يقال: بغض بني هاشم نفاق، وبغض أبي بكر وعمر نفاق، والشاك في أبي بكر كالشاك في السنة، ومن الفقهاء عن مالك بن أنس أن من سب الصحابة فلا سهم له مع المسلمين في الفيء، وسئل إسماعيل بن إسحاق عمن سب عائشة – رضي الله عنها – فأفتى بقتله، وقتل الحسن ومحمد ابنا زيد الداعي الطبرستاني اللذان وليا ديار طبرستان رجلين مما قذفا عائشة"25.

والطعن فيهم طعن في الحقيقة في النبي – عليه الصلاة والسلام – لأنه هو الذي رباهم، وكذلك طعن في الدين لأنهم حملته، وهم الذين نقلوه إلينا، فكيف ينقله من عنده خلل، ومطعون في عدالته، نسأل الله – تعالى – أن يجزيهم عنا وعن الإسلام كل خير، وأن ينتقم من كل من ينتقصهم بسوء {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}26.

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


1 سورة الفتح (29).

2 سورة التوبة (100).

3 سورة الحشر (8-10).

4 سورة الأنفال (74).

5 سورة الفتح (18).

6 سورة التوبة (117).

7 سورة آل عمران (110).

8 سورة البقرة (143).

9 معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (1/44) برقم (32) ، ورواه الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وابن جريج عن ابن الزبير عن جابر – رضي الله عنه –

10 صحيح البخاري (2/938) برقم (2508) , (5/2362) برقم (6064) ؛ وسنن البيهقي الكبرى (10/123) برقم (20175).

11 صحيح البخاري (9/133) برقم (2458) و (11/482) برقم (3378) ؛ وصحيح مسلم (12/358) برقم (4601).

12 صحيح البخاري (1/28) برقم (16) ؛ وصحيح مسلم (1/218) برقم (108).

13 صحيح البخاري (12/5) برقم (3397) ؛ ومسلم من حديث أبي هريرة (12/369) برقم (4610).

14 – المعجم الكبير برقم (12709) ؛ وصححه الألباني السلسلة الصحيحة (2340) ؛ وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (11230) ؛ وفي صحيح الجامع برقم (6285).

15 صحيح مسلم (12/ 352) برقم (4596) ؛ ومسند أحمد (40/ 62) برقم (18745).

16 سنن ابن ماجه (1/192) برقم (159) ؛ ومسند أحمد (21/ 148) برقم (10104) ، ومسند أحمد (2/444) برقم (10400) عن أبي هريرة؛ وصححه الألباني في الجامع الصغير برقم (12897) ؛ وفي صحيح الجامع برقم (5953).

17 الصارم المسلول على شاتم الرسول (3/1055-1113).

18 وفي فتاوى السبكي (2/579).

19 تفسير ابن كثير (1/487).

20 حاشية ابن عابدين (7/162).

21 حاشية ابن عابدين (4/236).

22 فتاوى السبكي (2/576).

23 فتاوى السبكي (2/575).

24 فتاوى السبكي (2/ 575).

25 شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (5/467).

26 سورة الحشر (10).