عيد المسلم
الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الإسلام، وجعلها من المنن التي يفرح بها أهل الإيمان فقال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}1، والصلاة والسلام على من قال: ((للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه))2، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله – عز وجل – قد جعل للمسلمين أعياداً يفرحون فيها، وأياماً يوسعون فيها على أنفسهم بالمآكل والمشارب والأفعال المباحة، وقد جعل ذلك ترويحاً لهم بعد جهد عبادة بذلوه، فبعد صيام رمضان يأتي عيد الفطر، وبعد عبادة الحج يأتي عيد الأضحى، وهما العيدان الوحيدان المشروعان للمسلمين، وقد جعلهما الله – عز وجل – للمسلمين فرحةً وابتهاجاً يتميزون بهما عن غيرهم من الأمم فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((إن لكل قومٍ عيداً، وهذا عيدنا))3.
نعم هذا عيدك – أيها المسلم -، هذا يوم فرحتك، لكنك لابد أن تعلم أموراً مهمة قد غفل عنها أو تناساها أكثر المسلمين – إلا من رحم الله -، نحب أن نذكِّر بها أنفسنا وإخواننا؛ لعلنا نعيش أيام العيد ونحن في أتمِّ نعمة، وأكمل دين، فمن ذلك:
1- أن يعلم المسلم أنه لا يزال عبداً لله رب العالمين، وأن عبادة الله مستمرة حتى يلقى الإنسان ربه، فيحافظ على الصلوات الخمس حيث يؤذن بهن، ويؤدي ما كتب الله – عز وجل – عليه من واجبات، وإننا للأسف الشديد لنرى التقصير الشديد في الصلاة – فضلاً عن التفريط في صلاة الجماعة -، ونرى كذلك أن كثيراً ممن كان على طاعة قبل العيد؛ فإنه يهجرها يوم العيد، مع أن الذي ينبغي على المسلم في العيد أن يذكر نعم الله عليه فيشكر الله على كل نعمة، وبالخصوص على نعمة الإسلام {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}4، وشكر الله – تعالى – ليس باللسان فقط بل بالعمل أيضاً {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}5.
2- إن العيد هو أيام ذكر لله – عز وجل -، فكيف يكون حال من جعل أيام العيد أيام معصية لله، وإعلان المنكرات، وتكثير السيئات، فليس العيد هو لبس الجديد فقط؛ بل هو طاعة الله فيما أمر، واجتناب كل ما نهى عنه وزجر، فترى العيد قد خرج بحلته الزاهية لكن أهل المعصية أبوا أن تتم هذه الفرحة؛ فلطخوه بما يغضب الله – والله المستعان – ومن ذلك:
– الدخول على النساء الأجنبيات أو اللواتي لا يحل له الخلوة بهن.
– مصافحة النساء الأجنبيات عنه، إذ المصاحفة حرام في العيد وفي غيره.
– إحياء أيام العيد ولياليه بالحفلات الغنائية ونحوها.
– ممارسة المحرمات كشرب الخمر، ولعب الميسر، واستماع الموسيقى.
– تبرج النساء وسفورهن في الطرقات.
– مواصلة الخصام والمقاطعة لمن كان مقاطعاً له من قبل.
وغير ذلك من الأمور المحرمة التي يتساهل فيها بعض المسلمين، فيصير العيد عيد بعدٍ عن الله، وتفنن في فعل المحظورات، وكأن العيد بوابة كانت مغلقة أمام المعصية، فما إن فتحت إلا وانطلق أهل المنكر مسارعين إلى كل جديد مذموم.
3- لا بد أن يعلم المسلم أن هناك من فقد اللقمة الضرورية، ولم يجد ما يقتات به يوم العيد، بل ما زال يكابد الجوع، ويعاني وطئته، ليس عنده ما يستره، ولم يشارك غيره في لبس الجديد؛ بل صبر على ما عنده، وهو مسلم من المسلمين، فأين النظرات الحانية؟ وأين التفقد لأحوال الجيران، ومن تعرف من الفقراء والمحتاجين؟ قد يجد أحدنا الطعام مكدساً في براميل المخلفات، قد ضاقت به الأرض ذرعاً، ونجد في المقابل من لا يجد اللقمة الضرورية، نرى أزهى الثياب وأغلى الملابس على أناس، ونرى من جيرانه أو أقاربه أو ممن يعرف هو من يستحي أن يخرج أيام العيد لأنه لا يملك الثياب الساترة، ولا يعني ذلك أننا لا نتزين، لا بل نفعل ما أحل الله لنا من دون تبذير ولا إسراف {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}6، ولينفق المسلم على من يعلم أنه محتاج بقدر ما يستطيع، والله – عز وجل – سيبارك له في ماله، ويخلف عليه بخير {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}7، {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}8، {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}9.
أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ولا تطع في سبيل الجود عذالا
من جـاد جاد عليه الله واسـتترت عيوبه وكفى بالجود سربـالا
4- صلة الأرحام: فإن ذلك من أفضل ما يقوم به المسلم أيام العيد، فيزور أقرباء وأحبابه، وينظر في حالهم، وما يحتاجون إليه من نصائح وإرشادات، فتصفوا النفوس من الضغائن والمنغصات، ويحصل الود والتآلف.
وصلة الأرحام سببٌ للرزق، وطول العمر؛ فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((من سرَّه أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه))10، بل إن صلة الرحم من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه))11.
5- ليكثر المسلم من الاستغفار في أيام العيد، لأنه يوم ختم فيه طاعة من الطاعات، فإن كان العيد عيد الفطر فقد ختم صيام شهر رمضان، وإن كان عيد الأضحى فقد ختم فيه الحج، وإن الاستغفار ليسد ما كان في الطاعة من خلل.
هذا ما أحببنا أن ننبه عليه، وهذه إشارات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وعلى المسلم عموماً أن يتقي الله – عز وجل -، وأن يعمل ما يرضي ربه، وأن يترك ما حرم عليه.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وتقبل صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيئها، وبارك لأمتنا في عيدها، واجعله عيد خيرٍ ونصرٍ وتمكينٍ، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.