أهل كإهلال النبي – صلى الله عليه وسلم –
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد روى البخاري – رحمه الله – من حديث جابر – رضي الله عنه – قال: "أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – علياً – رضي الله عنه – أن يقيم على إحرامه"، وزاد محمد بن بكر عن ابن جريج قال: قال له النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((بما أهللت يا علي؟ قال: بما أهَلَّ به النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: فأهد، وامكث حراماً كما أنت))1، وفي حديث عائشة – رضي الله عنها -: "أنهم لبوا بغير ذكر حج ولا عمرة، حتى علَّمهم النبي – صلى الله عليه وسلم -"، وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قدم علي – رضي الله عنه – على النبي – صلى الله عليه وسلم – من اليمن فقال: ((بما أهللت؟)) قال: بما أهلَّ به النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((لولا أن معي الهدي لأحللت))2.
وقد يتبادر إلى ذهن بعض من لا يمعن النظر من أن أمره – صلى الله عليه وسلم – علياً وأبا موسى بما أمرهما به؛ كان مختلفاً، وما ظنَّه قوم من أن إهلال علي وأبي موسى حجة في إباحة الإهلال بلا نية، والجواب عن هذا أن علياً وأبا موسى قالا في إهلالهما كل واحد منهما أنه أهلَّ بما أهلَّ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأنه – عليه الصلاة والسلام – إذ سألهما عن إهلالهما فأخبراه، فأمر عليا بالبقاء على إحرامه، وأمر أبا موسى بفسخ إحرامه بعمرة ويحل، ثم يحرم بالحج، وقد يفهم البعض أن في هذا تعارض، والصحيح: أن لا تعارض في ذلك أصلاً، بل أمرهما بما أمر به جميع أصحابه، وذلك أنه – عليه الصلاة والسلام – أمر كل من ساق الهدي بالبقاء على إحرامه، وثبت هو – عليه الصلاة والسلام – على إحرامه؛ لأنه كان ساق الهدي، وسأل علياً: أمعك هدي؟ قال: نعم، فأمره بما أمر به كل من معه هدي، وأمر – عليه الصلاة والسلام – كل من لا هدي معه بفسخ إحرامه بعمرة، وسأل أبا موسى: ((أمعك هدي؟)) فقال: لا، فأمره – عليه الصلاة والسلام – بما أمر به كل من لا هدي معه، وهذا الحكم باق أبداً في كل وجه من الوجهين المذكورين حكمه المذكور، وأما إهلالهما بإهلال كإهلال النبي – صلى الله عليه وسلم – فليس فيه إباحة إهلال بغير نية لعمل مقصود بعينه، لا في الحج ولا في غيره، أيضاً إباحة أن يهلَّ أحد بعد تلك الحجة بإهلال كإهلال فلان لأن الناس في تلك الحجة تعلموا مناسكهم التي لم يتعلموها قبل ذلك، ويشهد بهذا ويدل عليه حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: "خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نلبي، لا نذكر حجاً، ولا عمرة… الخ".
فإن قال قائل: هذا خلاف ما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موافين لهلال ذي الحجة، فمنا من أهلَّ بعمرة، ومنا من أهلَّ بحجة وعمرة، ومنا من أهلَّ بحجة…..ألخ"؛ أجبنا عليه بأن لا تعارض بينهما، بل هو موافق له، لأن هذا الإهلال الذي ذكره هشام عن عروة عن عائشة عن الناس؛ إنما كان بعد تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم ذلك كما روى الزهري عن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((من أراد منكم أن يهلَّ بحج وعمرة فليهلَّ، ومن أراد منكم أن يهلَّ بعمرة فليهلَّ))، قالت عائشة: "فأهلَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحج، وأهلَّ به ناس معه، وأهلَّ ناس بالعمرة والحج، وأهلَّ ناس بعمرة، وكنت في من أهلَّ بالعمرة"3 فصح – بهذا الحديث – أن إهلال الناس بما أهلوا إنما كان بعد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم بذلك، وبهذا يتم الجمع بين الأحاديث التي يظهر منها التعارض.
والله أعلم، وصلى الله على محمدٍ وآله، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.