قل ولا تقل

 

 

قـل ولا تقـل

الحمد لله ولي المتقين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فمما ينبغي التنبيه عليه، والتذكير به وجود بعض العبارات والمفردات التي درجت في أفواهنا اليوم، واعتادت عليها مسامعنا حتى لا نكاد ننكر منها شيئاً رغم ما بها من محظور شرعي، أو محذور عرفي يجعل العارف به لا محالة تاركاً لألفاظه برهة من الزمن حتى يراجع فحواها ومحتواها، ثم يقرُّ لسانه على التفوُّه به بعد ذلك.

ولمزيد من توضيح المسألة نردفها بالتطبيق، ونثريها بالمثال مع بيان علة استنكار الكلمة، أو سر بشاعة اللفظ، وفيما يلي ذكر بعض منها:

قل

ولا تقل:

العلة

بسم الله، عند سقوط شيء أو تعثره،

تَعِسَ الشيطان أو أخزى الله الشيطان نحوها؛

إذا سمعها الشيطان تعاظم وقال بقوتي1.

نُسِّيتُ آيةَ كذا،

نَسِيتُ آية كذا؛

لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك زجراً عن تعاطي أسباب النسيان2.

علوم الأرض،

أطلس؛

استعمال هذا المصطلح كان لأحد آلهة اليونان، الذين يعتقدون أنه يحمل الأرض3.

للشاهد: اشهد بشهادتِك،

اشهد بشهادة الله؛

لما جاء عن محمد بن سيرين أن رجلا شهد عند شريح بشهادة، فقال: أشهد بشهادة الله، فقال شريح: لا تقل شهادة الله، فإن الله لا يشهد إلا على حق، ولكن اشهد بشهادتك4.

لا إله إلا الله،

الله الله؛

الذكر بالاسم مفرداً غير مشروع، لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، ولا في أقوال الصحابة والتابعين5.

اليهودي شرٌ من النصراني

النصراني خير من اليهودي؛

لأنه لا خير فيهما، وبقولك الثاني يكون أحدهما أزيد في الخير من الآخر6.

في تهنئة الزواج: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير7،

بالرفاء والبنين8؛

لأنه من عمل الجاهلية وقد نهي عنه9، وقول: بالبنين، تهنئة بالابن دون البنت، وهذا ليس من الشرع10.

المسجد الأقصى،

ثالث الحرمين؛

فالأقصى اسم للمسجد كله ولا يسمى هو ولا غيره حرمًا وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة11.

لا تفعل كذا،

حرام عليك تفعل كذا؛

ورعاً عن إثبات حكم شرعي ليس حراماً، أما إن كان الشيء حراماً شرعاً فلا بأس.

قال فلان، أو أخبرني فلان أو كلاماً نحوها مما يفيد اليقين،

زعموا؛

فبِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُو12، والمراد تقبيح الإخبار بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين13.

روح إيمانية، عند التذكير بالرضا والتصبر،

روح رياضية؛

لأن هواة الرياضة هم أكثر الناس غضباً وحنقاً حتى على مستوى تلك المطاطة المنفوخة (الكرة) لو حادت عن مرمى خصمه لاستشاط غضباً، وقد وجد منهم من مات بسبب هزيمته.

من قتل في سبيل الله فهو شهيد،

فلان شهيد؛

بوب البخاري: بَاب لَا يَقُولُ فُلَانٌ شَهِيدٌ14، والمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه، بأنه شهيد بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال15.

السلام عليكم…

صباح الخير أو صباح النور؛

لأنه هذه التحية مجوسية، فللمجوس إله للخير أو النور، وإله للشر أو الظلمة، وهما يتنازعان السيطرة على العالم، فلهذا يحيون بعضهم ب:صباح الخير، صباح النور، وأما نحن المسلمين فلنا خير منها: السلام عليكم16.

موافق أو مخالف للشريعة،

موافق أو مخالف للعادات والتقاليد الإسلامية أو الفكر الديني؛

لأن الإسلام ليس عادات ولا تقاليد وإنما هو وحي أوحى الله به إلى رسله وأنزل به كتبه17، وليس الإسلام أيضاً مجموعة أفكار، فالفكر قابل للطرح والمناقشة، قد يصح وقد لا يصح18.

هذا ما تيسر جمعه، ولمتتبع سلامة اللغة وما غشيها من خلل الكلمات الدخيلة، وما اعتراها من الألفاظ السقيمة المستوردة يجد العجب، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به.


1 سنن أبي داود: (13/161) وصححه الألباني.

2 صحيح البخاري: (4644).

3 قاموس عربي انجليزي: (59).

4 مشكل الآثار للطحاوي: (10/455).

5 انظر كتاب الدين الخالص لصديق حسن خان، ومعجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد: (120).

6 معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد: (540).

7 سنن أبي داود: (1819).

8 الآداب الشرعية لابن مفلح: (1/472).

9 آداب الزفاف للألباني: (1/103).

10 معجم المناهي اللفظية: (178).

11 اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية: (1/434)، ومجموع فتاوى ابن تيمية: (6/136).

12 سنن أبي داود: (4321).

13 عون المعبود: (11/7)، وانظر مشكل الآثار للطحاوي: (1/195) ففيه كلام نفيس.

14 صحيح البخاري: (10/27).

15 فتح الباري لابن حجر: (9/48) ومن هذا القبيل زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم العلاء الأنصارية حين قالت في حق عثمان بن مظعون: شهادتي عليك: لقد أكرمك الله، فقال لها: (وما يدريك أن الله أكرمه) انظر: صحيح البخاري: (2490).

16 معجم المناهي اللفظية: (334، 335) نقلاً عن مجمع اللغة العربية بمصر: (25/68).

17 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (3/229).

18 معجم المناهي اللفظية: (431)، نقلاً عن المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين.