التفاؤل

التفاؤل

الحمد لله الواحد القهار، السميع المجيب، والصلاة والسلام على خير البرية محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على منهجهم إلى يوم الدين .. أمـا بعد:

أخي الكريم: اعلم أن الدين الإسلامي جاء لتحقيق المصالح، ودفع المضار والمفاسد، ومن جملة ذلك: الاعتناء بالأخلاق الحميدة، ومنها خلق التفاؤل الذي هو ضد الطيرة، والتشاؤم، والحزن، وأن المراد بالفأل الصالح: الكلمة الحسنة، المقوية للعزم، والمقوية على الظفر، ولا يجوز للمسلم أن يتشاءم، فإن ذلك من سوء الظن بالله – تعالى – ووعده – والعياذ بالله -.

الفأل لغةً واصطلاحاً:

الفأل: ضد الطيرة، والفأل أن يكون الرجل مريضاً؛ فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقول تفاءلت بكذا1.

والتفاؤل هو المصدر من هذا الفعل يقال: تفاءلت تفاؤلاً،والصيغة هنا تدل على المطاوعة وهي قبول أثر الفعل أي أن المتفائل قد قبل وتأثر بما رأى من فأل حسن، أو سمع من كلمة طيبة2.

واصطلاحاً: الفأل هو الكلمة الصالحة، أو الكلمة الطيبة، أو الكلمة الحسنة، مصداق ذلك ما جاء في الحديث الشريف من أنه  سئل عن الفأل؟ فقال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم3، وجاء في حديث أنس  أن الفأل: الكلمة الحسنة، والكلمة الطيبة”، ومن ثم يكون المراد بالتفاؤل: انشراح قلب الإنسان وإحسانه الظن، وتوقع الخير بما يسمعه من الكلم الصالح، أو الحسن، أو الطيب.

من الأحاديث الواردة في التفاؤل: 1- عن أبي هريرة  قال: سمعت رسول الله  يقول: لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم4.

2- وعن أنس  أن نبي الله  قال: لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، والكلمة الطيبة5.

3- وعن أبي هريرة  أن رسول الله  سمع كلمة فأعجبته فقال: أخذنا فألك من فيك6.

4- وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: بينما جبريل  قاعد عند النبي  سمع نقيضاً من فوقه، فدفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم، وقال: أبشر بنورين أُوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته7.

5- وعن بريدة  أن النبي  كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها؛ فإن أعجبه اسمها فرح بها، ورؤي ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رؤي كراهة ذلك في وجهه)8.

من الآثار وأقوال العلماء الواردة في التفاؤل: 1- قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: “الفرق بين الفأل والطيرة: أن الفأل من طريق حسن الظن بالله، والطيرة لا تكون إلا في السوء، فلذلك كرهت”9.

2- قال الحليمي – رحمه الله -: كان النبي  يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله – تعالى – بغير سبب محق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله – تعالى – على كل حال”10.

3- قال الطيبي – رحمه الله -: “معنى الترخص في الفأل، والمنع من الطيرة؛ هو أن الشخص لو رأى شيئاً فظنه حسناً محرضاً على طلب حاجته فليفعل ذلك، وإن رآه بضد ذلك فلا يقبله؛ بل يمضي لسبيله، فلو قبل وانتهى عن المعنى فهو الطيرة التي اختصت بأن تستعمل في الشؤم”11.

من فوائد التفاؤل: 1- حسن الظن بالله – تعالى -.

2- يجلب السعادة إلى النفس والقلب.

3- فيه ترويح للمؤمن، وسرور له.

4- في الفأل تقوية للعزائم، ومعونة على الظفر، وباعث على الجد.

5- في التفاؤل اقتداء بالسنة المطهرة، وأخذ بالأسوة الحسنة، حيث كان المصطفى  يتفاءل في حروبه وغزواته12.

الخلاصة: أيها الإخوة في الله: لا بد من التعريف بالنفس تعريفاً صحيحاً متوازياً يدفعها إلى مقاومة التشاؤم، والتطير، واليأس، والفتور، والفوضى، والانهزام النفسي، والثقة بأنها قادرة – بعون الله ومدده – على الكثير، شريطة أن تتجرد من حظوظها، وأن تتواضع لربها، وأن تستسلم له وتخضع، وتنقاد لشرعه قال – تعالى -: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (سورة العنكبوت:69).

وعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله : المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز13.

نسأل الله لنا ولكم العافية في الدين، والدنيا، والآخرة، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 انظر (لسان العرب 11 /513–514).

2 انظر معاني صيغة تفاعل شرح الشافية للرضي (1 /99).

3 رواه البخاري ومسلم

4 تقدم تخريجه.

5 البخاري ومسلم.

6 أبو داود، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود وهو في  الصحيحة (726).

7 رواه مسلم.

8 رواه أبو داود، وحسنه ابن حجر في الفتح (10/ 215) وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود.

9 فتح الباري (10 /215).

10المرجع السابق (10 /226).

11المرجع السابق نفسه.

12انظر موسوعة نظرة النعيم (3 /1045 – 1049 بتصرف).

13رواه مسلم في صحيحه.