وأشرقت الدنيا
الحمد لله الذي جعلنا من أمة خير خلق الله أجمعين محمد بن عبد الله الصادق الأمين عليه صلوات وسلام رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى
آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاللهم إنا نشهدك ونشهد حملة عرشك وملائكتك، ونشهد من في السماوات والأرض؛ أننا نحب نبيك محمداً ﷺ ، وصحابته أجمعين، اللهم فإنا نسألك بمنك وكرمك
أن تجمعنا بنبيك محمد ﷺ وصحابته في جنة الفردوس يا رب العالمين تحت ظل عرشك الكريم.
وبعد: أحبتنا الكرام فقد جاء في سيرة النبي – صلوات الله عليه وسلامه – أنه وُلِدَ يوم الاثنين، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة “أن أعرابياً قال: يا رسول
الله ما تقول في صوم يوم الاثنين؟ فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، وأُنزل علي فيه))“.
وبعد أن نظر الله ((إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم،إلا بقايا من أهل الكتاب))؛جاء ﷺ إلى الدنيا والناس في ظلام دامس، ظلام الشرك والإلحاد،
ظلام الظلم والقهر ولاستبداد، ظلام الفواحش والمنكرات، يدفنون بناتهم، ويعبدون آلهتهم ثم إذا جاعوا أكلوها، ومنهم من يعبد حَجراً فإذا رأى حجراً أحسن منها؛ ترك
الأولى وعبد الأحسن!! عهد ترفع فيه المرأة العاهرة على بيتها راية حمراء لتدل الفساق على نفسها، وتُغِير القبيلة بأكملها على الأخرى لأتفه سبب، وأحقر أمر، ويمكث
أحدهم أشهراً وسنين لا يصيب الماء شعره، وتَحُد المرأة على زوجها إذا توفي عنها فتدخل حِفش،وتلبس شر ثيابها، ولا تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو
شاة أو طير فتفتض به،فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي به،ثم تُراجع بعدُ ما شاءت من طِيب أو غيره،
وهكذا كانت حالتهم العامة، مع وجود أخلاق فاضلة تكون منهم أحياناً قليلة.
جاء هذا النور المبين ﷺ ليشع لهذه البشرية التائهة في ظلام دامس، تخبط هنا وهناك خبط عشواء؛ ليضيء لها حتى ترى بنور القرآن، وبالإيمان بالواحد الديان؛ طريقَ الرشد والسعادة، وطريق النجاة إلى بَرّ الأمان
إن الرسول لنور يستضاء به |
مهند من سيوف الله مسلول |
ولقد بُعث ﷺ ليكون رحمة للعالمين، ونوراً للخلق أجمعين،وأماناً لمن آمن به من العذاب الأليم، وصدق الشاعر إذ يقول:
وُلد الهدى فالكائناتُ ضياءُ |
وفمُ الزّمان تبسُّمٌ وثناءُ |
الرُّوحُ والملأُ الملائكُ حَـولَهُ |
للدِّين والدنيا به بُشراءُ |
والوحيُ يقطرُ سلسلاً من سلسلٍ |
واللوحُ والقلمُ البديعُ رُواءُ |
بك بشَّر اللهُ السماء فزُيِّنت |
وتضوَّعت مسكاً بك الغبراءُ |
وبدا مًحيَّاك الذي قسمـاتُه |
حقّ وغرَّتُه هُدىً وحياءُ |
وعليه من نورِ النبوَّةِ رونـقٌ |
ومن الخليل وهديِه سيماءُ |
الحقُّ عالي الركن فيه مظفَّر |
في الملكِ لا يعلو عليه لواءُ |
ذُعرت عروشُ الظالمين فزلزلت |
وعلتْ على تيجانهم أصداءُ |
نِعمَ اليتيمُ بدت مخايلُ فضله |
واليُتمُ رزقٌ بعضُه وذكاءُ |
بسوى الأمانة في الصبا والصدقِ لم |
يعرفه أهلُ الصدقِ والأمناءُ |
يا مَنْ له الأخلاقُ ما تهوى العلا |
منها وما يتعشَّقُ الكبراءُ |
فإذا سخوتَ بلغت بالجود المدى |
وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ |
وإذا عفوتَ فقادراً ومقـدِّراً |
لا يستهين بعفوك الجُهلاءُ |
وإذا رحمتَ فأنت أمٌّ أو أبٌ |
هذان في الدنيا هما الرُّحماءُ |
وإذا غضبتَ فإنما هي غضبةٌ |
في الحقّ لا ضغنٌ ولا بغضاءُ |
وإذا رضيتَ فذاك في مرضاته |
ورضى الكثير تحلمٌ ورياءُ |
وإذا خطبتَ فللمنابر هزةٌ |
تعرو النَّديَّ وللقلوب بكاءُ |
وإذا قضيتَ فلا ارتياب كأنّما |
جاء الخصوم من السماء قضاءُ |
وإذا أجرتَ فأنت بيت الله لم |
يدخل عليه المستجير عداءُ |
وإذا صحبتَ رأى الوفاء مجسماً |
في بردك الأصحابُ والخلطاءُ |
وإذا أخذتَ العهد أو أعطيته |
فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ |
وتمدُّ حلمكَ للسفيهِ مُدارياً |
حتى يضيق بعرضك السفهاءُ |
يأيها الأمِّي حسبـكَ رتبةً |
في العلم أن دانت بك العلماءُ |
صلى عليك الله ما صحب الدُّجى |
حادٍ وحنَّت بالفلا وجناءُ |
واستقبل الرضوان في غرفاتهم |
بجنان عدنٍ آلك السُّمحاءُ |
صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
تفتض به: أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به
قبلها وتنتبذه. شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وآخرون (1/151).
أنظر: إرواء الغليل (7/193).