كيف تزيد رصيدك

 

 

كيف تزيد رصيدك؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر الميامين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:

ففما لا شك فيه أن الإنسان مهما تعمر في هذه الدنيا من السنين فإنه سيأتي يوم يفارق في هذه الحياة الدنيا، ويستقبل الآخرة: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} سورة الرحمن (26) (27).

ومن المعلوم أن أعمار أمة محمد   قصيرة جداً بالنسبة لأعمار بقية الأمم، فغالب أعمار هذه الأمة ما بين ستين سنة إلى سبعين؛ كما أخبر بذلك النبي  حيث قال: (أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك)1.هذا هو الغالب ونادر من يزيد عن ذلك أو ينقص عنه.

وبما أن أعمار هذه الأمة قصيرة فإن من كرم الله وفضله وجوده وإحسانه على هذه الأمة ونبيها أن جعل لهم مواسم فاضلة إذا استغلوها في طاعة الله؛ فإن الله يأجرهم على العمل القليل الأجر الكثير، وكذلك جعل الله لهم أعمالاً إذا فعلوها بارك الله لهم في عمرهم، وضاعف الحسنات، فمن هذه الأعمال: شهر رمضان، فالأعمال الصالحة فيه مضاعفة، وهي أعظم ما تكون في العشر الأواخر، وخاصة من وفقه الله لقيام ليلة القدر،فمن وفق لها فقد حاز على خيري الدنيا والآخرة: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} سورة القدر(3). قال العلماء: أن من وفق لهذه الليلة فكأنما عبد الله في ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، هذا في السنة الواحدة، فكيف لو وفق لذلك أكثر من سنة، بل كيف لو وفق لذلك في كل سنة -نسأل الله أن يوفقنا لليلة القدر-.. هذا مثال واحد على أن هناك مواسم يضاعف الله فيها لهذه الأمة ثواب أعمالها.

كما أن هناك أعمالاً صالحة تزيد في عمر الإنسان، فمن ذلك صلة الرحم لما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي   قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه)، وفي الحديث الصحيح:(صلة الرحم تزيد العمر).

ومن الأعمال الصالحة التي جعل الله لها أجوراً عظيمة: الصلاة في المساجد الثلاثة:المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى؛ فقد جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة   أن النبي  قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام). وعن جابر  أن رسول الله   قال: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)2.

وعن أبي ذر   قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله أيهما أفضل مسجد رسول الله   أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله  : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن لا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال خير من الدنيا وما فيها)3. قال ابن القيم رحمه الله: “وقد روي في بيت المقدس التفضيل بخمسمائة وهو أشبه”4..

ومن الأعمال التي يزيد الإنسان بها رصيده من الحسنات: المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد فإن لها أجراً كبيراً؛ لما جاء في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله   قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ -المنفرد- بسبع وعشرين درجة).

ومنها كذلك: أداء النافلة في البيت؛ فإن ذلك من السنة، وأفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة؛ وقد جاء في الحديث الصحيح: (صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا وعشرين)5.

وكذلك: حضور الجمعة والتحلي بآدابها؛ ففي الحديث الصحيح: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها)6، ففضل الله عظيم على عباده، فلو مشيت ألف خطوة كأنك عشت ألف سنة تصوم النهار، وتقوم الليل، هذا في جمعة واحدة فما بالك لو حافظت على  ذلك عشر سنين، وكيف لو حافظت على ذلك حياتك؟!.

إنها أجور عظيمة، ومنح ربانية، فينبغي للمسلم أن يستغلها، وأن يحرص عليها، وأن يكون مسابقاً إليها.. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1 رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وحسنه الألباني.

2 رواه ابن ماجه، وقال الألباني: “صحيح”؛ كما في صحيح ابن ماجه، رقم(1155).

3 رواه الحاكم في المستدرك، وقال: “وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه” وصححه الذهبي تلخيص الحبير.

4 المنار المنيف(93).

5 قال الألباني: “صحيح”؛ كما في صحيح الجامع، رقم(3821).

6 رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: “صحيح”؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(333).