أنين المساجد

أنين المساجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

المساجد بيوت الله – عز وجل -، منها تنطلق الرسالات، ومنها تكتسب الرحمات، وفيها ترتل الآيات، جعلها الله – تعالى – أمناً واستقراراً، يكتسب الماشي إليها سكينةً ووقاراً، ويجد الساجد فيها مودةً واستبشاراً.

إن بيوت الله لابد أن توقر فلا تهان، وتطهر فلا تنجس، وتعمر فلا تهدم؛ لأن توقيرها من توقير الله، والمحافظة على طهارتها من تعظيم الله، وإعمارها من الإيمان بالله، فما نراه اليوم ونسمعه من انتهاكٍ لحرمات الله، وهدم لبيوت الله، وإهانة للمقدسات؛ كل ذلك منعاً لبيوت الله أن يذكر فيها اسمه قال – تعالى -: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خائفين لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}1، فهل هناك من هو أشد منه ظلماً؟ من سعى في خراب بيوت الله حساً ومعنى، من قام بهدمها ظلماً وعدواناً، فماذا ينتظر هؤلاء بعد أن حاربوا رب الأرض والسماء؟

من أظلم ممن يمنع عباد الله من الصلاة والذكر، والمساجد لم تبن إلا لذلك؛ قال الله – تعالى -: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}2، يسعون – حسداً من عند أنفسهم – إلى صد المؤمنين عن بيوت الله وعن الصلاة؛ لأن المساجد هي من أعظم الشعائر الإسلامية وأبرزها، وهي عنوان الإسلام لكل بلد، والكفار عندما يعتدون على بيوت الله فهم لا يفعلون ذلك اغتصاباً للأرض، ولا طمعاً في مال – وإن وجد ذلك أحياناً -؛ لكنهم ينطلقون من عقيدةٍ نتنةٍ تمتلئ بها صدورهم، وحربٍ على الإسلام والمسلمين توشحت بها نفوسهم.

إن ما يحصل اليوم على أرض الإسراء من خطواتٍ لهدم المسجد الأقصى، وتدنيسٍ له وللمساجد في تلك البلاد المباركة – على أيدي اليهود الحاقدين – هو من هذا الباب، وعندما كان يوجد من يمكن أن يستمع إلى شكوى المسجد له؛ فإن المسجد كان يقدم إليه الشكوى، وهذه إحداها والتي كانت موجهة إلى صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله -:

يأيها الملك الــذي              لمعالم الصلبان نكــس

جاءت إليـك ظلامة               تسـعى من البيت المقدس

كل المساجد طُهِّـرَت              وأنا على شرفي أنجــس

لامست الشكوى أحاسيس صلاح الدين فقام منقذاً للمسجد الأقصى من النصارى، منزهاً إياه من عبثهم.

إن من تدنيس المساجد والعبث فيها؛ ما يحصل في أرض الرافدين على أيدي النصارى المعتدين، والروافض المفسدين؛ من هدم وتحريق، وتخريب وتفجير، وقد حصل مثل ذلك في الهند في 6 ديسمبر عام 1992م حيث هُدم المسجد الأثري مسجد البابري من قِبَل الهندوس، ولا زال المسلمون في العالم كله يعانون من تهديم مساجدهم – خاصة الأقليات منهم -، والمآسي تتعدد وتتكرر، تذهب وتعود، فمن يستمع نداءها، ومن يحل قضيتها، ومن يرق قلبه لنوحها

ما للمآذن تشتــكي وتنـوح             وتقول أن فؤادهــا مجروح

تبكي وتندب حسـرة وتألمــاً             يا مسلمون دم الهدى مسفوح

من بعد أن كان الأذان يعطر الـ             أرجاء أضحى صوته مبحوح

فإلى كل المسلمين .. إلى كل المؤمنين نقول: لا بد من تطهير بيوت الله – عز وجل – مما يدنسها، والدفاع عنها قال – تعالى -: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}3 لابد أن ترفع، قال السعدي – رحمه الله -: "أي: يتعبد لله {فِي بُيُوتٍ} عظيمة فاضلة، هي أحب البقاع إليه وهي المساجد، {أَذِنَ اللَّهُ} أي: أمر ووصى، {أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها بناؤها، وكنسها، وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة، وعن الكافر، وأن تصان عن اللغو فيها، ورفع الأصوات بغير ذكر الله"4.

لا بد من الأخذ بيد الظالم حتى ينتهي من ظلمه، ولابد من إحياء حب المساجد في قلوبنا وقلوب أبنائنا، لابد من جعل حصانة للمساجد؛ مثل تلك الحصانة التي توضع للهيئات الدولية، والمؤسسات الحكومية، ولابد من قانون يخص المساجد؛ يرعى حرمتها، ويحافظ على قداستها.

نسأل الله أن يحفظ علينا ديننا إنه ولي ذلك والقادر عليه.. والحمد لله رب العالمين.


 


1 (سورة البقرة:114).

2 (سورة الجن:18-19).

3 (سورة النور:36).

4 تفسير السعدي ص 354.