أسباب الرزق
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمد ﷺ الداعي إلى رضوانه، وعلى آله، وصحبه، وجميع إخوانه، أما بعد:
أيها الحبيب:
إن الذكاء، والحنكة، والهم، والحرص؛ لن يزيد في رزقك، ولن ينقص، وإنما يأتيك من الدنيا ما كتبه الله لك، فقد كتب الله رزقك يا ابن آدم وأنت في بطن أمك، ومع ذلك فذلك لا يمنعك من الأخذ بأسباب الرزق المباحة والشرعية، مع الرضا بما قدره الله لك وكتبه من الرزق سواءً كان قليلاً أو كثيراً، فإن الله هو أعلم بعباده وما يصلحهم، فبعض الناس لا يصلحه إلا الغنى، وبعضهم لا يصلحه إلا الفقر قال : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (الشورى:27).
أخي الكريم: إن أسباب جلب الرزق كثيرة، تتعلق بالسعي في الأرض، والكد والتعب والعناء في الدنيا، قال سبحانه آمراً عباده بأن يسعوا في الأرض لبذل الأسباب التي تجلب الرزق هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك:15)، وهذه الأسباب الدنيوية هي ما يسعى الناس في بذلها، إلا أن هناك أسباباً أخرى هي أهم من هذه الأسباب وأنجح، فإليك أخي الكريم بعضاً منها:
1- التوبة إلى الله، والرجوع إليه واستغفاره قال الله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (نوح:10-12) قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير الآيات السابقة: “أي إذا تبتم إلى الله، واستغفرتموه، وأطعتموه؛ كثر الرزق عليكم، وسقاكم ربكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها، وهنا قد يقول قائل: أنا أستغفر الله ولا زلت فقيراً؟ فنقول لك أخي الكريم: إذا استغفرت الله ولم تجد نتيجة فاعلم أن الخلل فيك لا في الاستغفار، وأن استغفارك لم يتجاوز لسانك، فابحث أخي الكريم في حالك، وفتش في نفسك، لعلك واقع في ذنب عظيم حرمك الله بسببه من أثر الاستغفار.
2- تقوى الله في السر والعلن قال – سبحانه -: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (الطلاق: من الآية 2-3) قال ابن كثير – رحمه الله -: “أي ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه؛ يجعل له من أمره مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من جهةٍ لا يخطر بباله” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (الأعراف:96).
3- صلة الأرحام: عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه1 ولهذا بوب البخاري – رحمه الله – فقال: باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
4- الإنفاق في سبيل الله: فمتى ما أنفقت من مالك فإن الله يخلفه قال : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سـبأ:39) قال ابن كثير – رحمه الله -:” أي مهما أنفقتم من شيء مما أمركم الله به، وأباحه لكم؛ فهو يخلفكم ويخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، ولذا لما أمر الله بالإنفاق في سبيل الله قال بعد ذلك: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:268) قال ابن القيم – رحمه الله -: “إن وعد الشيطان لابن آدم بالفقر ليس شفقة عليه، وليس نصيحة له، وأما الله فإنه يعد عبده مغفرة منه لذنوبه، وفضلاً بأن يخلف عليه أكثر مما أنفق وأضعافه، إما في الدنيا، أو في الدنيا والآخرة، وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ أن الله – تبارك وتعالى – قال: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك2.
4- وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدها: أللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً3.
5- التجرد لله وذلك أن تعبده بقلب خالٍ عما سواه، فلا تعبده وأنت مشغول بغيره، فقد جاء عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله – تعالى – يقول: يا ابن آدم: تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسد فقرك4، وهذا التفرغ لا يعني أن يترك الإنسان أسباب الكسب فيبقى عالة على غيره، وإنما هو تفرغ القلب عند العبادة عما سواه.
6- المتابعة بين الحج والعمرة: فعن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: تابعوا بين الحج والعمرة وفي رواية: أديموا الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة5
7- التوكل على الله حق التوكل: عن عمر بن الخطاب عن النبي ﷺ أنه قال: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً6
أخي الكريم: هذه بعض الأسباب الشرعية في كسب الرزق، وليس هناك مانع من الأخذ بباقي الأسباب المادية البحتة، إلا أن هذه الأسباب (أي الشرعية) يغفل عنها كثير من الناس، ويأخذون دائماً بالأسباب الدنيوية أو المادية الأخرى، وهذه قد لا تكون أقل شأناً من تلك، إلا أن الاقتصار على الأسباب الدنيوية أو المادية تضعف الإيمان، والتوكل على الله، فيصبح الإنسان معلقاً بأسباب دنيوية مادية، أما الأسباب الشرعية فإنها تربط العبد بخالقه ورازقه في جميع الأحوال، فهو متوكل على الله، وهي في نفس الوقت سبب من أسباب الحصول المادي للرزق المطلوب في الحياة والذي لا يمكن لأي إنسان الاستغناء عن طلبه.
اللهم إنا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً.
وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.