لذة العبادة

 

 

لذةالعبادة

الشيخ محمد بن صالح المنجد

 عناصر الخطبة:

1. تباطؤ المنافقين في العبادة مع أمر الله بالمسارعة إليها.

2. صدق العزيمة سبب لكل خير.

3. من صفات المؤمنين المسارعة في العبادة.

4. علو همة السلف في العبادة.

5. العاقبة في الآخرة لمن حسن عمله.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله  ،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

تباطؤ المنافقين في العبادة مع أمر الله بالمسارعة إليها

عباد الله، لقد أمرنا الله بطاعته، وحثنا على المبادرة والإسراع فيها، فقال:{وَسَارِعُوا}(آل عمران: من الآية133) و{سَابِقُوا}(الحديد: من الآية21)،{فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}(الجمعة: من الآية9)، قبل أن يأتي الأجل فينقطع العمل، والإنسان إذا صدق في نيته استعد للعمل الصالح،وكثير من الناس لا يستعدون، و{لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}(التوبة: من الآية126)، وتراهم في الطاعة متباطئين، وفي المعصية مسارعين، ومن عباد الله من يسرع إلى الطاعة، ويمنع نفسه من المعصية، والصادق في الحرص على الطاعة يستعد لها، ولذلك كشف الله أمر المنافقين، فقال: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}(التوبة:46)؛ فلو كانوا صادقين فيما ادعوه لما تركوا الاستعداد، ولأخذوا بالأسباب من الزادوالراحلة قبل حلول الوقت، إذا صح العزم كان الاستعداد.

وفضح الله المنافقين في سورة التوبة التي تسمى بالفاضحة، فقال:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوالا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}(الحشر:11-12)، ادعوا بادعاءات؛ فأكذبهم الله تعالى.

صدق العزيمة سبب لكل خير

ليس للعبد -يا عباد الله- شيء أنفع من صدقه مع ربه في أموره، وصدقه في العزم على طاعته، لابد من صدق الفعل، وصدق القول، وصدق العزم، وهذا العزم لقاح البصيرة فإذااجتمعا نال صاحبهما خيري الدنيا والآخرة.

تأمل في قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه لما صدق في البحث عن الحق قطع آلاف الأميال، فهو يهرب من بيت نار المجوسية إلى الشام عند الرهبان يبحث عن الحق، فيدله واحد على الآخر، ومن المَوصِل إلى نَصِيبين إلى عمُّورية، وهكذا ليدله الأخير على مبعث النبي  ، ويصف له أرض المبعث، والمهاجَر في المدينة؛ حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لينكب عليه، ويقبله يبكي، يا لها من رحلة في البحث عن طلب الحق[القصة بطولها في مسند أحمد برقم (23225)، وحسَّن إسناده الأرناؤوط وغيره في تحقيقالمسند (39/147)].

لما صدق سلمان رضي الله عنه في البحث عن الحق سافر الأميال، وتغرب، وتعرض لأن يُؤخذ عبداً حتى وصل في النهاية إلى صاحب الحق، وهكذا الذي يريد القيام لصلاة الفجر-مثلاً- يستعد إذا كان صادقاً؛ فسينام مبكراً، وسيضبط المنبه، ويوصي من يوقظه،ويأخذ بالأسباب، فيأتي بالأذكار، وينام على طاهرة، وهو عازم على القيام لصلاة الفجر، ومن كان غير عازم لن يأخذ بالأسباب بل ربما لو عرض له سبب أعرض عنه.

عباد الله، ندَّعي كثيراً حب الطاعة، ثم لا تجد عندنا الاستعداد الكافي لها، من أراد الحج لو صدق في العزم لاستعد، وربما جعل يدخر المال سنين، وهو يعمل ما بوسعه للوصول إلى بيت الله العتيق.

من الناس من يستعد لرمضان من أشهر، لماذا؟ لأنه صادق في الاستفادة من الشهر الكريم.هذا موسى عليه السلام لما صدق عزمه في طلب العلم والرحيل كان مستعداً أن يسير فيالبلاد أحقاباً، ومدة طويلة ليصل إلى من يعلِّمه، فقال لفتاه:{لا أَبْرَحُ}(الكهف: من الآية60)، لا أزال، أنا مستمر {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً}(الكهف: من الآية60)، فسأبقى مسافراً راحلاً في طلب العلم، وهذا الرجل الذي وصفه الله لي، ولو استدام سفري سنين وأحقاباً.

عباد الله، لو كان الطالب راغباً في مجلس العلم حقيقة لبكَّر إليه، لسارع إليه،لأخذ بالأسباب عند الحضور للعالم، كثير من الناس يدَّعي أنه يحب الطاعة، فأين استعداده؟ وقد حدثنا ربنا عن ناس: {قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}(البقرة: من الآية246)، فقالوا بادِّعاء: {وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا}(البقرة: من الآية246)، لكن لما جاء الجدُّ: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية246)، معنى ذلك أن العزم لم يكن صادقاً؛ لو كانت الإرادة حية، ولو كانت قوية لسارعوا،وبادروا.

وذلك الأعرابي بعد المعركة لما أعطيَ قسمه في الغنائم جاء إلى النبي  يقول: “ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا -وأشار إلى حلقه- بسهم؛ فأموت، فأدخل الجنة، فقال النبي  :((إن تصدق الله يصدقك))، فلبثوا قليلاً، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتيَ به النبي  ” بعد المعركة “قد أصابه سهم حيث أشار”، “فقال النبي  : ((صدق الله فصدقه))، ثم كفنه النبي   في جبة النبي  “، يا له من فخر، يا له من شرف، “ثم قدمه، فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته”يعني دعائه في الجنازة: “((اللهم هذا عبدك، خرج مهاجراًفي سبيلك، فقتل شهيداً، وأنا شهيد على ذلك)) [رواه النسائي برقم (1953)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/58) رقم(1336)].

لما فاتت أنس بن النضر موقعة بدر ماذا قال للنبي ؟ ماذا قال لمن معه؟ “أما والله لئن أراني الله مشهداً معه ليراني الله ما أصنع”، وفعلاً؛ لعزمه، وصدقه قاتل، واستمر في القتل حتى وجدوا بعد قتله في جسده بضعاً وثمانين من بينضربة، وطعنة، ورمية، ما عرفته أخته إلا ببنانه[رواه مسلم برقم (1903)].

لما صدق بعض الصحابة في إعداده، وعجز كان له الأجر: “((إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا أنفقتم نفقة، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم))، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال:((وهم بالمدينة؛ حبسهم العذر))[رواه البخاري برقم (4423) بلفظه، ومسلم برقم (1911)]،فلماذا كانوا في الأجر مع الذين خرجوا؟ لصدقهم، وصحة عزمهم، لحُسن نيتهم.

وعن أنس: “أن فتى من أسلم، قال: يا رسول الله، أريد الغزو، وليس معي ما أتجهز، قال:((ائتِ فلاناً؛ فإنه قد كان تجهز، فمرض))، فأتاه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول: أعطني الذي تجهزت به، قال: يا فلانة، أعطيه الذي تجهزت به، ولا تحبسي عنه شيئاً، فوالله لا تحبسي منهشيئاً، فيبارك لك فيه”[رواه مسلم برقم (1894)].

“الذي اقترض قرضاً، الذي استدان ألف دينار، وسافر، وقضى حاجته، وكان قد اتفق مع صاحبه على موعد معين للأداء، لما عجز عن مركب يقدم عليه للأجل الذي أجله” ماذا فعل؟ من صدقه، وعزمه على السداد في الوقت المحدد: “أخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجَّج موضعها، وأقفله حرصاً على المال أن لا يتسرب،ثم رمى بها في البحر، وهو يرجو ربه أن يبلغ المال لصاحبه، فخرج الرجل في الطرف الآخر من الشاطئ الآخر ينتظر صاحبه” على حسب الموعد “فلم يجده” لم يأت “فإذا بخشبة طافية فوق الماء، قال: آخذها حطباً لأهلي؛ لئلا أرجع بلا شيء، فلما نشرها وجد المالوالصحيفة”[رواه البخاري معلقاً، انظر فتح الباري (4/471)، وأحمد برقم (8381)، وصححه الألبانيفي صحيح الجامع برقم (2081)] كان من الممكن أن تذهب الخشبة إلى مكان آخر، أن تغرق، كان من الممكن أن يأخذ الخشبة رجل آخر، لكن الله سبحانه وتعالى أدى عنه لصدقه، صدقت النية، صدقت العزيمة:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}(آل عمران: من الآية31)،هناك براهين.

وهكذا الرجل الذي تاب إلى الله بعدما قتل مائة نفس، من صدقه أنه خرج فعلاً من قريته، وترك بلده، ورضي بالغربة؛ ليذهب إلى بلد أخرى فيها أناس صالحون يعبدون الله ليعبد الله معهم، إذاً -أيها الإخوة- من أراد الطاعة فإنه سيستعد لها، وهذاالاستعداد دليل الصدق ودليل الإيمان.

اللهم أحيِ قلوبنا بذكرك، وعمِّرها بطاعتك.

اللهم استعملنا فيما يرضيك، وارزقنا الصدق والإخلاص يا رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، السراج المنير، والبشير والنذير.

اللهم صل وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، وذريته وأزواجه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

من صفات المؤمنين المسارعة في العبادة

عباد الله، الحماس للعمل، وعدم التواني والكسل، لا للتسويف، ولا للتأجيل، بادر وعجِّل: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}(طـه: من الآية84).

صفات المؤمن كثيرة، ومنها: أنه كما يقال له في القبر -يقول له عمله-:((ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله))، في القبر السرعة والبطء، يقال للعبد عنهما، فإذا كان من أهل الإيمان يقول له عمله الصالح: ((ما علمتك إلا كنت سريعاًفي طاعة الله، بطيئاً في معصية الله))، والفاجر يقول له عمله: ((ما علمتك إلا كنت بطيئاً في طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله))[رواه الطيالسي (1/102) رقم (753)، وصححه الألباني، انظر تلخيص أحكام الجنائز ص(67)]. عباد الله، هذه السرعة والبطء، السرعة في الطاعة، والبطء في المعصية، والتخلف عنالمعصية، والامتناع عن المعصية من علامات الإيمان.

الله سبحانه وتعالى ذكر من صفات المنافقين قال:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى}(النساء: من الآية142)، يسحبون أرجلهم سحباً، في بطء حتى تفوته تكبيرة الإحرام، وتفوته الركعات،{يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً}(النساء: من الآية142)، أما أهل الإيمان: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}(السجدة: من الآية16)، ليس إلى الفرائض فقط، إلى قيام الليل: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}(الأنبياء: من الآية90)، يبادرون، وفي أول الوقت؛ لأنهم يعلمون أن الله يحب الصلاة لوقتها.{يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}(المؤمنون: من الآية61)، يسارعون، فيتسابقون، ويتنافسون لنيل الدرجات، وتبوء الغرفات، فاختر لنفسك -يا عبد الله- في أي الفريقين أنت؟ قال الحسن: “يا ابن آدم إذا رأيت الناس في خير؛ فنافسهم فيه، وإذا رأيتهم في هلكة فذرهم وما اختاروا لأنفسهم، قد رأينا أقواماً آثروا عاجلتهم على عاقبتهم فذلوا، وهلكوا، وافتضحوا” عاجلتهم الدنيا، وعاقبتهم الآخرة.

{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(البقرة: من الآية 148) سارعوا إلى الطاعات، وأداء الفرائض، هكذا أمرنا ربنا (استبقوا الخيرات)، فمن سبق فيالدنيا إلى الخيرات؛ فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، وقال عليه الصلاة والسلام:((التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة))[رواه أبو داود برقم (4810)،  وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3009)].

التأني خير إلا في أعمال الآخرة عجل وبادر، المسألة لا تحتاج إلى استشارة، واستخارة ما دامت واضحة، والحق واضح، والعبادة واضحة، والدعوة قائمة، والمجال مفتوح.

علو همة السلف في العبادة

اسلك السبيل يا أخي، ((لو يعلم الناس ما في النداء،والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) ما وجدوا حلاً لمشكلة التنافس، والتزاحم إلا القرعة لقاموا بها، ((ولويعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه))، التبكير إلى الصلاة،((ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً))[رواه البخاري برقم (615)، ومسلم برقم (437)]، لكن هل يعلمون الأجر؟ هل يشعرون بذلك أم أن الكسل والفتور هو الذي يلازمهم؟ ولذلكالنفس تدعو إلى التخلف، والبقاء، يقول القائل: إن أنفسنا بيد الله إذا أراد أن يبعثها بعثها! لو نظرنا إلى سلفنا الصالح لوجدناهم يتفوقون علينا، وهكذا كانت الأمة قوية؛ لأن أفرادها يتسابقون في الخيرات.

قال عيسى بن موسى: “مكثت ثلاثين سنة أشتهي أن أشارك العامة في أكل هريسة السوق”والهريسة كانت تخرج من المخبز مبكراً؛ “فلا أقدر على ذلك لأجل البكور إلى سماع الحديث”![المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (7/74)]فيتركون شهوات الدنيا للتبكير لمجالس العلم.

قال محمد السُلَمي: “قمت ليلة سحراً” قبل الفجر، في وقت السحر؛ “لآخذ النوبة على ابن الأخرم” وهو المقرئ الذي يقرأ القرآن للطلاب بالنوبة، بالدَّوْر، قال: “فوجدت قد سبقني ثلاثون قارئاً”، وقال: “لم تدركني النوبة إلى العصر”![سير أعلام النبلاء للذهبي (15/565)] قام وقت السحر إلى المسجد إلى الحلقة ليجد ثلاثين شخصاً قد سبقوه، والدرس يبدأ من الصباح، ما بلغته النوبة إلى العصر! سبحان الله! أي نفوس هذه التي كانت بين جنباتهم!.

وواحد من السلف إذا أحس بتباطؤ نفسه يعاتبها، يوبخها، يقول: “أنتِ أولى بالضرب مندابتي”[إحياء علوم الدين (4/411)] نحن إذا جاءنا عرض الدنيا سارعنا.

إذا جاءتنا فُرص الأموال والاستثمارات نسهر مبكرين، ونستعد، ونأخذ بالأسباب، ونبحث عن البطاقات، والإثباتات، والفرص، وأرقام الهواتف، والمواقع، ونبكر إلى أبواب المصارف، واكتتابات! فماذا يكون حالنا في اكتتابات الآخرة؟!.

سريع إلى حظ النفوس من الهوى بطيء عن الخيرات شين الصحيفة

العاقبة في الآخرة لمن حسن عمله

 

ولذلك فإن العاقبة موجودة في القبر قبل قيام الساعة،((إن الله يُبغض كل جعظري جواظ؛ سخَّاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بالدنيا، جاهل بالآخرة))[رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/194) برقم (20593)، وصححه الألباني في صحي الجامع برقم (1878)، ثم تراجع وضعفه في السلسلة الضعيفة برقم (2304)] هكذا وصف لنا النبي   بعض الناس، في طلب الدنيا يسرعون، وفي طلب الآخرة يبطئون.

قال عمر رضي الله عنه: “ويل لمن كانت الدنيا أمله، والخطايا عمله، عالم بأمر دنياه،جاهل بأمر آخرته”[العاقبة في ذكر الموت لعبد الحق الإشبيلي (1/90)]، وإذا كان الإنسان لأجل ربح مستعد أن يضحي براحته ونومه، فكيف إذا كان الأمر فيه الراحة التامة، والسعادة الدائمة؟.

وبعض الناس مستعد أن يأتيَ الطاعة إذا كانت توافق هواه ومزاجه:{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداًلَاتَّبَعُوكَ}(التوبة: من الآية42) لو كانت غنيمة سهلة، والمسافة قريبة {لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ}(التوبة: من الآية42)؛ ولذلك تخلف المنافقون في غزوة تبوك لبعد المسافة والحر، ومن العدو؟ الروم، فكانوا مستعدين للخروج لطلب عرض قريب، ومنفعة عاجلة في مسافة قصيرة، لكن إذا شقت العبادة فهم غير مستعدين للذهاب.

يا مسلم، يا عبد الله، يذكرنا نبينا   بقوله:((ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها))[رواه الترمذي برقم (2601)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (5622)]، فليس شأن الهارب من النار أن ينام، وليس من شأن طالب الجنة أن ينام عن طلبها، بل يسرع في تحصيل الجنة، والنجاة من النار.

اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والفشل.

اللهم إنا نسألك المسارعة في الخيرات.

اللهم إن نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم اجعلنا فيمن يتنافسون إلى الخيرات.

اللهم إنا نسألك التقوى واليسرى، وأن تجنبنا العسرى.

اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، وطاعتك يا رحمن.

اللهم إنا نسألك الأمن لبلادنا هذه وبلاد المسلمين.

من أراد بلدنا هذا بسوء فامكر به، واجعل كيده في نحره، وردَّه صاغراً على عقبيه.

اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز ياغفور.

نعوذ بك من البلاء والشقاء، والغلاء وسوء القضاء.

اختم بالصالحات أعمالنا، وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90)، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم،{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَاتَصْنَعُونَ}(العنكبوت: من الآية45).