تفاوت الأذان بين أرباب الحي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
تعريف الأذان:
في اللغة: مطلق الإعلان.
وفي الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة1، وقيل الأذان: الإِشعار بوقت الصلاة2.
فضل الأذان:
لا يشك مسلم في أن الأذان شعارٌ من شعائر أهل الإسلام، ونداؤهم إلى الصلاة والعبادة، وقد أُمر المسلمون بتلبيته وإجابته، فإذا كانت هذه خصائصه ومميزاته فإنه لابد أن يكون فيه فضل عظيم، وأجر كبير، إذ أنه من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله – عز وجل – فقد قال الله – عز وجل – في كتابه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}فصلت:33 قالت عائشة – رضي الله عنها – وعكرمة ومجاهد وقيس بن أبي حازم: إنها نزلت في المؤذنين، قالت عائشة: فالمؤذن إذا قال: حيّ على الصلاة فقد دعا إلى الله3، وقال محمد بن سيرين والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المراد بها المؤذنون الصلحاء4، فليس هناك أحسن ممن يدعوا إلى الله، ويعمل صالحاً؛ بدليل الآية السابقة، فهو فضل عظيم, وأجر جزيل من رب العالمين.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبو5)) متفق عليه.
وعن معاوية – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة6)) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال له: ((إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم –7)) رواه البخاري.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوب للصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: أذكر كذا، واذكر كذا؛ لما لم يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى8)) رواه البخاري.
حكم الأذان:
اتفق الفقهاء على أن الأذان من خصائص الإسلام، وشعائره الظاهرة، ولكنهم اختلفوا في حكمه، فقيل: إنه فرض كفاية، وهو مذهب الإمام أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -.
وقيل: الأذان سنة مؤكدة للفرائض الخمس جماعة كانت الصلاة أو انفراداً، أداء كانت أو قضاء9.
والصواب من القولين والله أعلم: أنه فرض كفاية، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
ودليل ذلك من السنة: عن مالك بن الحويرث – رضي الله عنه – قال: ((أتينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رحيماً رفيقاً، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا، فسألنا عمن تركناه من أهلنا، فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا عندهم، وعلموهم، ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم10))، وفي رواية : ((إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركم11))، وفي رواية عنه – رضي الله عنه – قال: أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنا وابن عم لي فقال: ((إذا سافرتما فأذِّنا وأقيما، وليؤمكما أكبركم12))، فهذا الحديث دليل على أن الأذان فرض على الكفاية، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أن يؤذن من الجماعة واحد فقط، ولم يأمر الجماعة كلها بالأذان13، وقال النووي فيه: أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين، وفيه: الحث على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر14.
قال علماء اللجنة الدائمة: الأذان فرض كفاية في البلد، وهكذا الإقامة، وإذا دخل في الصلاة بدون أذان ولا إقامة نسياناً، أو جهلاً، أو لغير ذلك؛ فصلاته صحيحة15.
حكم تفاوت الأذان في الحي الواحد:
إذا لم تكن فترة كبيرة فلا حرج، أما إذا كان الوقت كبيراً بحيث الأذان الآخر يكون متأخراً فهذا لا يجوز، والله أعلم، وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل من الواجب الأذان في جميع المساجد بمكبرات الصوت في حي واحد، مع العلم أن أذان مسجد واحد يسمعه جميع المسلمين؟ وهل يكفي الأذان في مسجد واحد من مساجد الحي؟
فأجابت: الأذان فرض كفاية، فإذا أذن مؤذن في الحي وأسمع سكانه أجزأهم، ويشرع لأهل كل مسجد أن يؤذنوا لعموم الأدلة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم16، والحمد لله رب العالمين.
1 – التعريفات (1/4).
2 – المخصص (3 /163).
3 – تفسير القرطبي (15/315).
4 – تفسير ابن كثير(4/101).
5 – صحيح البخاري ( 2/ 483) رقم (580,615)؛ صحيح مسلم ( 2 / 432) رقم (661)؛ الموطأ مالك (1/ 205) رقم (136).
6 – صحيح مسلم (2/ 331) رقم (580)؛ مسند أحمد (25 /314) رقم (12268)وغيرهما.
7 -صحيح البخاري (2/473) رقم (574، 3053، 6993) ؛ سنن النسائي (3/15)رقم (640)؛ مسند أحمد (22/424) رقم (10879)، و(23/11) رقم (10966).
8 – صحيح البخاري (4/ 446) رقم (1155)، و(11/63) رقم (3043).
9 – فتاوى الأزهر (1/61).
10 – رواه البخاري برقم (602)؛ ومسلم برقم (674).
11 – رواه البخاري برقم (604).
12 – رواه الترمذي برقم (205)؛ والنسائي برقم (634)؛ وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/230).
13 – انظر توضيح الإحكام (1/424).
14 – انظر شرح مسلم (5/175).
15 – انظر فتاوى اللجنة الدائمة (6/54).
16 – اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم (9895).