أتموا الصف الأول فالأول

أتموا الصف الأول فالأول

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أما بعد:

فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، كما حث على ذلك نبينا – صلى الله عليه وسلم- وأمر بتسويتها وإقامتها؛ لأن من أهم غايات هذا الدين الحنيف حصول الألفة والمحبة والتواد والتراحم؛ فدين الإسلام هو دين الرحمة، ولا مكان فيه للتشاحن والتباغض والتدابر، قال الله تعالى:{وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}1

هذا هو دين الإسلام، وهكذا يجب أن تكون أمة الإسلام؛ قال الله تعالى:{إَِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}2 أمتنا أمة واحدة؛ واحدة في دينها، واحدة في عقيدتها، وواحدة في عبادتها، ولن تكون واحدة في كل ذلك إلا إذا كانت واحدة في إتباعها؛ فلا يكون متبوعها إلا رسولها – عليه الصلاة والسلام – فلا مكان للأمراض التي أثقلت كاهل الأمة، لذا كان لزاماً علينا أن نبحث عن كل ما من شأنه تقوية الأخوة والمحبة والألفة بين المسلمين، وإن من السنن لسنةٌ كفيلة بتحقيق كل ذلك، إذا عملناها، خفيفة في أدائها، عظيمة في أثرها، يستخف بها البعض، سنة كان لها الأثر البالغ في تأليف قلوب أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي سنةٌ عملية لكن آثارها في القلب كبيرةٌ جلية، بتطبيقها يكون الائتلاف، وبتركها يكون الاختلاف، فيا سبحان الله! ما أيسر هذا الدين وما أرحمه، إنها سنة: "التراص في الصفوف وإتمامها وإلصاق الكعاب بالكعاب في الصلاة" هذه سنة نبيكم وسنة أصحابه من بعده – رضي الله عنهم- لأنهم سمعوا النبي – – صلى الله عليه وسلم- قال: ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم))3

وفي بعض الروايات: ((بين قلوبكم))4 يعني تمتلئ القلوب والنفوس بالشحناء، فيحصل التهاجر والتقاطع.

وقد بوب الإمام البخاري – رحمه الله- في صحيحه: "باب: إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.وقال النعمان بن بشير: "رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه".

وقال الإمام بن باز – رحمه الله- في شرحه لرياض الصالحين، باب: "فضل الصف الأول والتراص في الصفوف وتسويتها وإكمال الأول فالأول" شارحاً حديث: جابر بن سمُرة-رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله – – صلى الله عليه وسلم-  فقال: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟)) فقلنا: يا رسول الله: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: ((يتمون الصف الأول، ويتراصون في الصف))5" هذا الحديث في فضل الصفوف ورصها، وإكمال الصف الأول فالأول، والمشروع للمسلمين أن يصلوا جماعة، وهذا فرض عليهم لازم، أن يصلوا صلواتهم الخمس في جماعة في المساجد، والواجب عليهم أن يصفوا متراصين، وأن يكملوا الصف الأول فالأول،كما شرع لهم نبيهم – صلى الله عليه وسلم – ذلك وأمرهم به وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))6

فالسنة؛ إكمال الصف الأول فالأول مع التراص، فلا يبدأ في الصف الثاني حتى يُكمل الصف الأول، ولا يبدأ في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا مع التراص، يعني: التراص الذي لا يؤذي؛ التراص الذي يسد الخلل، ولكن لا يؤذي أحداً؛ لأنه لا يجوز لمسلم أن يؤذي أخاه، جاء عن أبي مسعود قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول (( استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )). قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا، وجاء عن أنس بن مالك قال: قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ((سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة))7 وجاء عنه أيضا أنه قال: قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ((أتموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري))8 وجاء عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا))9 وجاء عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم ((تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله))10 وجاء عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لو تعلمون أو يعلمون ما في الصف المقدم لكانت قرعة)) وقال: بن حرب "الصف الأول ما كانت إلا قرعة"11

كما لايخفى مافي إتمام الصف الأول ثم الذي يليه من إظهار الأدب الإسلامي بنظامه المتميز الفريد، الذي يظهر المسلمين وكأنهم بنيان مرصوص فيزرع الرعب في قلوب أعدائهم، باتحاد قلوبهم وأجسادهم، ربهم واحد، وقبلتهم واحده، وكتابهم واحد، ورسولهم واحد، وصفهم واحد، وهيئتهم واحده، وغايتهم واحده.

اللهم يسر أمورنا، واقض ديوننا، وبرء ذممنا، وحسن خاتمتنا.

والحمد لله رب العالمين.


1 – الأنفال (46).

2 – الأنبياء (92).

3 – رواه البخاري برقم (685).

4 – رواه أبو داود وقال الألباني صحيح رقم ( 662).

5 –  رواه مسلم برقم (430).

6 – رواه البخاري برقم ( 602).

7 – رواه مسلم برقم ( 433).

8 – رواه مسلم برقم ( 434).

9 – رواه مسلم برقم ( 437).

10 – رواه مسلم برقم ( 438).

11 – رواه مسلم برقم ( 439).