أحكام المسجد النبوي

أحكام المسجد النبوي

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.. أما بعد:

مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – له مكانة خاصة في قلوب المؤمنين، فهو مسجد نبيهم – صلى الله عليه وسلم -، منه انطلقت دعوة الإسلام، وفيه تربى الأئمة الأعلام، فيه ترتل الآيات، ومنه تنتشر الكتائب والرايات، المسجد النبوي الذي تعدل فيه الصلاة بألف صلاة؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام))1.

يتوافد عليه الناس من كل حدبٍ وصوبٍ؛ لكي ينالوا ثواب الصلاة فيه، فلا بد أن يعرف المسلم ما لهذا المسجد من أحكام حتى يحصل فيه أكبر من الثواب، مبتعداً عما فيه إثمٌ أو عقاب، فإلى الأحكام:

1- من أبرز أحكام المسجد النبوي أنه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى))2، ومن المخالفات التي يقع فيها كثير من الناس هي أنهم يشدون الرحال إلى قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس إلى المسجد، وهذا لا يجوز، فقد ذكر ذلك ابن تيمية – رحمه الله – فقال: "وسئل مالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال مالك: إن كان أراد القبر فلا يأته، وإن أراد المسجد فليأته ثم ذكر الحديث"3، أما من يستدل ببعض الأحاديث في فضل زيارة قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فإن ابن تيمية يرد عليه بقوله: "وكل حديث يروى في زيارة القبر فهو ضعيف، بل موضوع، بل قد كره مالك وغيره من أئمة المدينة أن يقول القائل: زرت قبر النبي، وإنما المسنون: السلام عليه إذا أتى قبره، وكما كان الصحابة والتابعون يفعلون إذا أتوا قبره كما هو مذكور في غير هذا الموضع"4.

2- تقديم الرجل اليمنى على اليسرى عند الدخول إلى المسجد النبوي أو أي مسجد قال أنس ابن مالك – رضي الله عنه -: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى"5.

3- ذكر دعاء الدخول إلى المسجد؛ فعن أبي أسيد – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك))6 ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول إذا دخل المسجد: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم؛ من الشيطان الرجيم)) قال: ((فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم))7.

4- ألا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لحديث أبي قتادة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((قال إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))8، والأفضل أن يصليهما في الروضة إن استطاع؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي))9.

5- ثم بعد الصلاة يزور قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، فيقف تجاه قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه – عليه الصلاة والسلام – قائلاً: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام))10، وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور كما جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن زوَّارات القبور"11، وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم -، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد فهو مشروع في حق الجميع.

6- ويُستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة لما قد سبق من فضل ذلك.

7- ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يُقَبَّلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح، بل هو بدعة منكرة.

8- ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول – صلى الله عليه وسلم – قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله – سبحانه -، وطلبه من الأموات شركٌ بالله، وعبادةٌ لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين: أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده، والثاني: ألا يُعبد إلا بما شرعه الله على لسان الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

9- لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول – صلى الله عليه وسلم – الشفاعة؛ لأنها ملك الله – سبحانه -، فلا تطلب إلا منه كما قال – تعالى -: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}12، فتقول: "اللهم شفَّع فيَّ نبيك، اللهم شفَّع فيَّ ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم شفَّع فيَّ أفراطي" ونحو ذلك، وأما الأموات فلا يُطلب منهم شيء لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع، وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصَّاً به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: ادع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.

وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله – سبحانه – كما قال الله – تعالى -: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}13.

10- وخلاف المشروع ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره – صلى الله عليه وسلم -، وطول القيام هناك ؛ لأن الله – سبحانه – نهى الأمة عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي – صلى الله عليه وسلم -.

11- وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره مستقبلاً للقبر، رافعاً يديه يدعو، فهذا كله خلاف ما كان عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأتباعهم بإحسان، بل هو من البدع المحدثات14.


1 رواه البخاري برقم (1133)، ومسلم برقم (1394).

2 رواه البخاري برقم (1132)، ومسلم برقم (1397).

3 فتاوى ابن تيمية (1/304).

4 فتاوى ابن تيمية (4/520).

5 أخرجه الحاكم برقم (791)، والبيهقي برقم (4120)، وقال الألباني: حسن، السلسلة الصحيحة (2478).

6 رواه مسلم برقم (713).

7 رواه أبو داود برقم (466 )، صححه الألباني في صحيح أبي داود (441).

 8 رواه الجماعة، وصححه الألباني، الجامع الصغير وزياداته (514).

9 رواه البخاري برقم (1138)، ومسلم برقم (1391).

10 رواه أبو داود برقم (2041 )،وأحمد برقم (2041 ) والبيهقي برقم (10050)، وحسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (2266).

11 رواه الترمذي برقم (1056)، وابن ماجه برقم (1574)، وابن حبان برقم (3178)، قال الألباني: صحيح، الجامع الصغير وزياداته (9240).

12 (سورة الزمر:44).

13 (سورة البقرة:255).

14 التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة لابن باز، بتصرف.