احذرهم أن يفتنوك
الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، أما بعد:
إخواني: لابد أن يقوم كل منا بدوره للوقوف ضد أعداء الدين بشتى أصنافهم، ولنستخدم جميع الوسائل المتاحة التي منَّ بها الله؛ لرد كيد الأعداء، ولا يجوز لنا أن نقف موقف المتفرج ننتظر إيقاع الهزيمة بنا، بل كل منا له دوره وإمكاناته التي بها يستطيع أن يحمي دينه وأمته، ويحذَر ويحذِّر من شرور الكفار والمنافقين.
ولقد حذر ربنا جل وعلا نبيه محمداً ﷺ من أن يفتنه المشركون في دينه مع أنه ﷺ قد وعد بأنه معانٌ ومنصور ومحفوظ من الله، وهو المعصوم من الوقوع في شيء ينقص أو يقدح في شرع الله، ومع هذا ينبهه سبحانه من أن يقع في حبائل الأعداء فيقول سبحانه: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} (49) سورة المائدة. فإذا كان النبي ﷺ قد احتاج إلى مثل هذا التنبيه فمن سواه أولى وأحرى.
إن هذا واجب متعلق في رقاب الجميع تجاه أمة الإسلام والوقوف في وجوه الأعداء والحذر منهم، ومن تلك المواقف التي قد يُغفل عنها موقف المرأة المسلمة، والتي لطالما كاد لها الأعداء أشد من مكائدهم للرجال، فما هو دور المرأة في المجتمع ضد أعداء الله وكيف تقف أمام مخططاتهم خاصة فيما يمس كرامتها وشرفها هي كامرأة مسلمة.
أختي المسلمة:
ينبغي عليك أن تعملي في مجتمعك النسوي لفضح خطط الأعداء ونشر معايبهم وهتك أستارهم،واعملي جهدك كي لا يغتر أحد من بنات المسلمين فتنساق وراء دعواتهم، واحرصي على نشر العلم الشرعي بين أخواتك، فإن العلم المؤصل هو -بعون الله- الحصن الواقي من الزلل، وتذكري أنك بعملك هذا تسهمين في صلاح المجتمع، ودفع العقوبة عنه، والله سبحانه يقول: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (117) سورة هود. ثم اعلمي أنه لا بد من مجاهدة النفس والصبر والمصابرة، قال ابن القيم -رحمه الله-تعالى-: جهاد النفس أربع مراتب1:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه.
والثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، والرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحمل ذلك كله لله، فإذا أستكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين.
أخيتـي:
– ابتعدي عن السلبية وليكن لك دور في الإصلاح والبناء، وتزودي من العلم لتعملي على بصيرة، وابذلي وسعك، واحذري أن يؤتى الإسلام من قِبَلك، وكوني أداة بناء للمجتمع ولا تكوني معول هدم، واعملي ولا يهمك عُرفت أم لم تُعرفي، نوَّهوا بك أم لم ينوهوا، أشاروا إليك أم لم يشيروا، فعليك بالإخلاص، ولا تنتظري الثناء والأجر إلا من الله، كوني كالغيث أينما وقع نفع، وطوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وتذكري أن العمل لهذا الدين واجب على الجميع صغيرا ًكان أم كبيراً، ذكراً كان أم أنثى كل حسب طاقته، فكوني ذات همة عالية ونفس كبيرة لا تقنع بالقليل من الخير، بل كلما قدمت تاقت لما هو أكبر، والصبر الصبر، فإن الصبر طريق النجاح، وإياك أن تستعجلي النتائج، أو تيأسي وتحبطي مما ترينه من تسلط الأعداء2.
أيها الشباب:
إذا كان قادة الكفر في الشرق والغرب يخافون من دينكم فسيحاولون سلبه عنكم بكل وسيلة كما فعلوا ويفعلون، وإن من أكبر الوسائل وأعظمها خطراً سفر الشباب إلى بلاد الكفر حيث يذهب إليهم شباب ناشئ في عنفوان شبابهم وفي وقت تطلعهم إلى الاستقلال الفكري والعملي قابل للتوجيه الجديد فكراً وسلوكاً غير متحصن بحصانة قوية من علم أو دين أو تجربة، تغره المظاهر وتجذبه الدعاية وتجترفه الشبهة التي تلقي بين يديه في دينه وسلوكه وعاداته، يذهب هؤلاء الشباب إلى بلاد الكفر لا ذهاب الدعاة إلى الإسلام المرشدين للخلق، ولكن ذهاب التلميذ المستلهم المتلقف لما يلقى إليه، وبطبيعة التلمذة سيكون قابلاً لما يلقى إليه على علاته عاجزاً نفسياً أو اضطرارياً عن مناقشة أستاذه فليقل ما شاء.
وإن الخطر على هؤلاء الذاهبين إليهم كما يكون في حقول التعليم يكون كذلك في إقامتهم في بلاد كفر لا يسمعون فيها أذاناً ولا يشاهدون مساجد تقام فيها شعائر الإسلام، وإنما يسمعون أجراس النواقيس، ويشاهدون معابد اليهود والنصارى، ومسارح اللهو، ومعاقل الخمر والفساد، وعبادة المادة، فيرجع الكثير من هؤلاء وقد انقلب في دينه رأساً على عقب، ولوثوا أدمغتهم بقذارة الكفر والإلحاد والشك في دين الإسلام ورسوله وشريعته.
فيا أيهاالشاب المسلم،يا من ولدت في الإسلام وربيت عليه، يا من عشت بين أبوين مسلمين على الفطرة، يا من ترددت في أرض المسلمين صباحاً ومساءً تسمع الأذان وتصلي مع المسلمين، يدوي في جوك خمس مرات في اليوم والليلة قول: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح، أنت الآن على مقربة من الشهادة الإعدادية أو التوجيهية شهادة المتوسطة أو الثانوية فلا تلق بدينك إلى التهلكة، تذهب إلى بلاد كفر لا تسمع فيها مؤذناً، ولا تشهد جماعة ولا ترى مساجد يذكر فيها اسم الله تعالى، وإنما هو الكفر واللهو والغفلة والإعراض عن الله تعالى، كما قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}(12) سورة محمد. يتمتعون بما أوتوا من زهرة الدنيا، فإذا ماتوا فالنار والعذاب يقال لهم إذا عرضوا عليها: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} (20) سورة الأحقاف3.
وهذا الذي ذكرناه شيء يسير من الواجب الملقى على عاتق شريحتين أساسيتين في المجتمع المسلم، شريحة الشباب وشريحة النساء، والذين بصلاحهم يكون صلاح المجتمع، وبفسادهما أو أحدهما يكون فساد الأمة.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم احفظ علينا ديننا، وثبتنا عليه إلى الممات فإنه عصمة أمرنا، اللهم أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.